غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (31)

29

ثم وصفهم بضرب آخر من الإشراك فقال { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم } قال أهل المعاني : الحبر العالم الذي يعبر عما يريد بأحسن بيان ، والراهب الذي ظهرت أثار الرهبة من قلبه على وجهه ولباسه ، ولكن في عرف الاستعمال اختص الأحبار بعلماء اليهود من ولد هارون . والرهبان بعلماء النصارى من أصحاب الصوامع . واختلفوا في معنى اتخاذهم إياهم أرباباً بعد الاتفاق على أنه ليس المراد أنهم جعلوهم آلهة العالم فقال أكثر المفسرين : المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم . نقل أن عدي بن حاتم كان نصرانياً فانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ سورة براءة ، فلما وصل إلى هذه الآية قال عدي : إنا لسنا نعبدهم فقال : أليس تحرّمون ما أحلّ الله وتحلون ما حرم الله ؟ فقلت : بلى . فقال : فتلك عبادتهم . قال الربيع : قلت لأبي العالية : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ فقال : إنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف قول الأحبار والرهبان فكانوا يأخذون بأقوالهم وما كانوا يقبلون حكم الله . قال العلماء : إنما لم يلزم تكفير الفاسق بطاعة الشيطان خلاف ما عليه الخوارج لأن الفاسق وإن كان يقبل دعوة الشيطان إلا أنه يلعنه ويستخف به بخلاف أولئك الأتباع المعظمين لمتبوعهم . قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى : قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله في مسائل كانت تلك الآيات مخالفة لمذهبهم فيها فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها وكانوا ينظرون إليّ كالمتعجب يعني كيف الآيات مع أن الرواية عن سلفنا . وردت بخلافها ، ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا سارياً في عرف الأكثرين . وقلت : ولعلهم توقفوا لحسن ظنهم بالسلف لأنهم ربما وقفوا من تلك الآي على ما لم يقف عليه الخلف . وقيل في تفسير هذه الربوبية : إن الجهال والحشوية إذا بالغوا في تعظيم شيخهم وقدوتهم فقد يميل طبعهم إلى الحلول والاتحاد ، وقد يساعدهم الشيخ في ذلك إذا كان مزوّراً طالباً للدنيا وقد يرضى بسجودهم له تعظيماً وإجلالاً مع أن السجود عبادة لا تليق إلا بالله . وإذا كان هذا مشاهداً في هذه الأمة فكيف بالأمم السالفة ؟ ! وأما المسيح فحين جعلوه ابناً لله فقد أهلوه للعبادة والإلهية ، ولعل السبب في إفراد المسيح بالذكر أن قولهم فيه أشنع من قولهم في الأحبار والرهبان ، أو لأن القول بإلهية المسيح مخصوص بأحد الفريقين . فلو قيل اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أرباباً لأوهم اشتراك الفريقين في اتخاذ المسيح رباً { وما أمروا } الضمير للمتخذين . والذي أمرهم بذلك أدلة العقل والكتب السماوية ، وفي القرآن حكاية عن المسيح { أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة } [ المائدة : 72 ] ويجوز أن يكون الضمير للأحبار والرهبان أي وما أمر هؤلاء الذين هم عندهم أرباب إلا بأن يكونوا مربوبين . ثم نزه نفسه عن مقالة الظالمين فقال { سبحانه عما يشركون } .

/خ37