اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (31)

30

وقال الربيع : قلت لأبي العالية : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ قال : إنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالفُ أقوال الأحبار والرهبان ؛ فكانوا يأخذون بأقوالهم ويتركون حكم كتابِ الله تعالى . فإن قيل : إنَّه تعالى لمَّا كفرهم بسبب طاعتهم للأحبار والرُّهبان ، فالفاسقُ يطيع الشيطانَ ؛ فوجب الحكم بكفره على ما هو قول الخوارجِ .

فالجوابُ : أنَّ الفاسق إن كان يطيع الشيطان إلاَّ أنَّه لا يُعظِّمه ، لكنه يلعنه ، فظهر الفرق .

فصل

قوله { والمسيح ابن مَرْيَمَ } عطف على " رُهبانهم " ، والمفعول الثَّاني محذوف ، والتقدير : اتخذ اليهودُ أحبارهم أرباباً ، والنصارى رهبانهم والمسيح ابن مريم أرْبَاباً ، وهذا لأمْنِ اللَّبْس خلط الضمير في " اتَّخَذُوا " ، وإن كان مقسماً لليهود والنَّصارى ، وهذا مراد أبي البقاءِ في قوله : " أي : واتخذوا المسيح ربًّا ، فحذف الفعل وأحد المفعولين " . وجوَّز فيه أيضاً أن يكون منصوباً بفعل مقدر أي : وعبدُوا المسيح ابن مريم .

ثم قال : { وَمَآ أمروا إِلاَّ ليعبدوا إلها وَاحِداً لاَّ إله إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : سبحانه أن يكون له شريك في الأمر والتكليف ، وفي كونه معبوداً ، وفي وجوب نهاية التعظيم .