قوله : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْر عَبْدُ الله } كلام مبتدأ لبيان شرك أهل الكتابين ، وعزير مبتدأ وابن الله خبره ، وقد قرأ عاصم والكسائي { عزير } بالتنوين ، وقرأ الباقون بترك التنوين لاجتماع العجمة والعلمية فيه . ومن قرأ بالتنوين فقد جعله عربياً ؛ وقيل : إن سقوط التنوين ليس لكونه ممتنعاً بل لاجتماع الساكنين ، ومنه قراءة من قرأ { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ * الله الصمد } . قال أبو عليّ الفارسي : وهو كثير في الشعر ، وأنشد ابن جرير الطبري :
لتجديني بالأمير برّا *** وبالقناة لامرا مكرّاً
إذا غطيت السلمي فرّاً *** . . .
وظاهر قوله : { وَقَالَتِ اليهود } أن هذه المقالة لجميعهم . وقيل : هو لفظ خرج على العموم ، ومعناه : الخصوص لأنه لم يقل ذلك إلا البعض منهم . وقال النقاش : لم يبق يهودي يقولها ؟ بل قد انقرضوا . وقيل : إنه قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم ، فنزلت الآية متضمنة لحكاية ذلك عن اليهود ؛ لأن قول بعضهم لازم لجميعهم . قوله : { وَقَالَتِ النصارى المسيح ابن الله } قالوا هذا لما رأوا من إحيائه الموتى مع كونه من غير أب ، فكان ذلك سبباً لهذه المقالة ، والأولى أن يقال : إنهم قالوا هذه المقالة لكون في الإنجيل وصفه تارة بابن الله وتارة بابن الإنسان ، كما رأينا ذلك في مواضع متعددة من الإنجيل ، ولم يفهموا أن ذلك لقصد التشريف والتكريم ، أو لم يظهر لهم أن ذلك من تحريف سلفهم لغرض من الأغراض الفاسدة . قيل : وهذه المقالة إنما هي لبعض النصارى لا لكلهم .
قوله : { ذلك قَوْلُهُم بأفواههم } الإشارة إلى ما صدر عنهم من هذه المقالة الباطلة . ووجه قوله بأفواههم مع العلم بأن القول لا يكون إلا الفم . بأن هذا القول لما كان ساذجاً ليس فيه بيان ، ولا عضده برهان ، كان مجرّد دعوى ، لا معنى تحتها فارغة صادرة عنهم صدور المهملات التي ليس فيها إلا كونها خارجة من الأفواه ، غير مفيدة لفائدة يعتدّ بها . وقيل : إن ذكر الأفواه لقصد التأكيد ، كما في : كتبت بيدي ومشيت برجلي ، ومنه قوله تعالى : { يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ } . وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } . وقال بعض أهل العلم : إن الله سبحانه لم يذكر قولاً مقروناً بذكر الأفواه والألسن ، إلا وكان قولاً زوراً كقوله : { يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } . وقوله : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } . وقوله : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } .
قوله : { يضاهئون قَوْلَ الذين كَفَرُواْ } المضاهاة : المشابهة ، قيل : ومنه قول العرب امرأة ضهياء ، وهي التي لا تحيض لأنها شابهت الرجال . قال أبو عليّ الفارسي : من قال : { يضاهئون } مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء فقوله خطأ ؛ لأن الهمزة في ضاهأ أصلية ، وفي ضهياء زائدة كحمراء ، وأصله يضاهئون وامرأة ضهياء .
ومعنى مضاهاتهم لقول الذين كفروا فيه أقوال لأهل العلم : الأوّل : أنهم شابهوا بهذه المقالة عبدة الأوثان في قولهم : واللات والعزى ومناة بنات الله . القول الثاني : أنهم شابهوا قول من يقول من الكافرين : إن الملائكة بنات الله ، الثالث : أنهم شابهوا أسلافهم القائلين بأن عزير ابن الله وأن المسيح ابن الله . قوله : { قاتلهم الله } دعاء عليهم بالهلاك ؛ لأن من قاتله الله هلك ، وقيل : هو تعجب من شناعة قولهم . وقيل : معنى قاتلهم الله : لعنهم الله ، ومنه قول أبان بن ثعلب :
قاتلها الله تلحاني وقد علمت *** أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
وحكى النقاش أن أصل قاتل الله : الدعاء . ثم كثر في استعمالهم حتى قالوه على التعجب في الخير والشرّ وهم لا يريدون الدعاء . وأنشد الأصمعي :
يا قاتل الله ليلى كيف تعجبني *** وأخبر الناس أني لا أباليها
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.