النجس مصدر لا يثنى ولا يجمع ، يقال رجل نجس ، وامرأة نجس ، ورجلان نجس ، وامرأتان نجس ، ورجال نجس ، ونساء نجس . ويقال : نجس ونجس بكسر الجيم وضمها . ويقال : نجْس بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف من المحرك . قيل : لا تستعمل إلا إذا قيل معه رجس ؛ وقيل ذلك أكثريّ لا كليّ . والمشركون مبتدأ ، وخبره المصدر ، مبالغة في وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة ، أو على تقدير مضاف : أي ذوو نجس ؛ لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس . وقال قتادة ومعمر وغيرهما : إنهم وصفوا بذلك لأنهم لا يتطهرون ، ولا يغتسلون ، ولا يتجنبون النجاسات .
وقد استدل بالآية من قال بأن المشرك نجس الذات ، كما ذهب إليه بعض الظاهرية والزيدية . وروي عن الحسن البصري ، وهو محكيّ عن ابن عباس . وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات ؛ لأن الله سبحانه أحلّ طعامهم ، وثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله ، وقوله ، ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم ، فأكل في آنيتهم ، وشرب منها ، وتوضأ فيها ، وأنزلهم في مسجده .
قوله : { فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام } الفاء للتفريع ، فعدم قربانهم للمسجد الحرام متفرّع على نجاستهم . والمراد بالمسجد الحرام : جميع الحرم ، روي ذلك عن عطاء ، فيمنعون عنده من جميع الحرم ، وذهب غيره من أهل العلم إلى أن المراد المسجد الحرام نفسه ، فلا يمنع المشرك من دخول سائر الحرم .
وقد اختلف أهل العلم في دخول المشرك غير المسجد الحرام من المساجد ؛ فذهب أهل المدينة إلى منع كل مشرك عن كل مسجد . وقال الشافعي : الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام ، فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد . قال ابن العربي : وهذا جمود منه على الظاهر ؛ لأن قوله تعالى : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة ، ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه صلى الله عليه وسلم لثمامة بن أثال في مسجده ، وإنزال وفد ثقيف فيه . وروي عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي ، وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة ، وقيده الشافعي بالحاجة . وقال قتادة : إنه يجوز ذلك للذميّ دون المشرك . وروي عن أبي حنيفة أيضاً أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد ، ونهى المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهي للمسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك ، فهو من باب قولهم : لا أرينك هاهنا . قوله : { بَعْدَ عَامِهِمْ هذا } فيه قولان : أحدهما : أنه سنة تسع ، وهي التي حج فيها أبو بكر على الموسم . الثاني : أنه سنة عشر قاله قتادة ، قال ابن العربي : وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ ، ومن العجب أن يقال : إنه سنة تسع ، وهو العام الذي وقع فيه الأذان ، ولو دخل غلام رجل داره يوماً فقال له مولاه : لا تدخل هذه الدار بعد يومك ، لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه انتهى . ويجاب عنه بأن الذي يعطيه مقتضى اللفظ هو خلاف ما زعمه ، فإن الإشارة بقوله : { بَعْدَ عَامِهِمْ هذا } إلى العام المذكور قبل اسم الإشارة وهو عام النداء ، وهكذا في المثال الذي ذكره ، المراد النهي عن دخولها بعد يوم الدخول الذي وقع فيه الخطاب ، والأمر ظاهر لا يخفى ، ولعله أراد تفسير ما بعد المضاف إلى عامهم ولا شك أنه عام عشر ، وأما تفسير العام المشار إليه بهذا ، فلا شك ولا ريب أنه عام تسع ، وعلى هذا يحمل قول قتادة . وقد استدلّ من قال بأنه يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد بهذا القيد ، أعني قوله : { بَعْدَ عَامِهِمْ هذا } قائلاً إن النهي مختصّ بوقت الحج والعمرة ، فهم ممنوعون عن الحج والعمرة فقط ، لا عن مطلق الدخول . ويجاب عنه بأن ظاهر النهي عن القربان بعد هذا العام يفيد المنع من القربان في كل وقت من الأوقات الكائنة بعده ، وتخصيص بعضها بالجواز يحتاج إلى مخصص . قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ } العيلة : الفقر ، يقال : عال الرجل يعيل : إذا افتقر ، قال الشاعر :
وما يدري الفقير متى غناه *** وما يدري الغني متى يعيل
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود «عايلة » وهو مصدر : كالقايلة والعافية والعاقبة ؛ وقيل : معناه : خصلة شاقة ، يقال : عالني الأمر يعولني : أي شقّ عليّ واشتدّ . وحكى ابن جرير الطبري أنه يقال : عال يعول : إذا افتقر . وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر ، وقالوا : من أين نعيش ؟ فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . الآية .
قال الضحاك : ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله : { قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله } الآية . وقال عكرمة : أغناهم بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض ، وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به . وقيل : أغناهم بالفيء ، وفائدة التقييد بالمشيئة : التعليم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به ، مما له تعلق بالزمن المستقبل ، ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرّع { إِنَّ الله عَلِيمٌ } بأحوالكم { حَكِيمٌ } في إعطائه ومنعه ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.