قوله : { قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله } الآية ، فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف . قال أبو الوفاء بن عقيل : إن قوله : { قَاتَلُواْ } أمر بالعقوبة ، ثم قال : { الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله } فبين الذنب الذي توجبه العقوبة ، ثم قال : { وَلاَ باليوم الآخر } فأكد الذنب في جانب الاعتقاد ، ثم قال : { وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ } فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ، ثم قال : { وَلاَ يَدِينُونَ دِيِنَ الحق } فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة ، والأنفة عن الاستسلام ، ثم قال : { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } تأكيد للحجة عليهم ؛ لأنهم كانوا يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، ثم قال : { حتى يُعْطُواْ الجزية } فبيّن الغاية التي تمتد إليها العقوبة انتهى .
قوله : { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } بيان للموصول مع ما في حيزه وهم أهل التوراة والإنجيل . قوله : { حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ } الجزية وزنها فعلة من جزى يجزي : إذا كافأ عما أسدي إليه ، فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن . وقيل : سميت جزية ؛ لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه : أي يقضوه ، وهي في الشرع : ما يعطيه المعاهد على عهده ، و { عَن يَدٍ } في محل نصب على الحال . والمعنى : عن يد مواتية غير ممتنعة . وقيل : معناه : يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحداً . وقيل : معناه : نقد غير نسيئة . وقيل : عن قهر . وقيل : معناه : عن إنعام منكم عليهم ؛ لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم . وقيل : معناه : مذمومون . وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي ، وأحمد ، أبو حنيفة ، وأصحابه والثوري ، وأبو ثور ، إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب . وقال الأوزاعي ومالك : إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائناً من كان ، ويدخل في أهل الكتاب على القول الأوّل : المجوس . قال ابن المنذر : لا أعلم خلافاً في أن الجزية تؤخذ منهم .
واختلف أهل العلم في مقدار الجزية . فقال عطاء : لا مقدار لها . وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه ، وبه قال يحيى بن آدم ، وأبو عبيد ، وابن جرير إلا أنه قال : أقلها دينار ، وأكثرها لا حدّ له . وقال الشافعي : دينار على الغنيّ والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء ، وبه قال أبو ثور . قال الشافعي : وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز ، وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم . وقال مالك : إنها أربعة دنانير على أهل الذهب . وأربعون درهماً على أهل الورق ، الغنيّ والفقير سواء ، ولو كان مجوسياً لا يزيد ولا ينقص . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، ومحمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل : إثنا عشر ، وأربعة وعشرون ، وثمانية وأربعون . والكلام في الجزية مقرّر في مواطنه ، والحق من هذه الأقوال قد قرّرناه في شرحنا للمنتقي وغيره من مؤلفاتنا .
قوله : { وَهُمْ صاغرون } في محل نصب على الحال ، والصغار : الذلّ . والمعنى : إن الذميّ يعطى الجزية حال كونه صاغراً ، قيل : وهو أن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب ، ويسلمها وهو قائم ، والمتسلم قاعد . وبالجملة ينبغي للقابض للجزية أن يجعل المسلم لها حال قبضها صاغراً ذليلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.