يوسف : هو يوسف بن يعقوب عليه السلام .
من هو مسرف مرتاب : مشرك مستكثر من المعاصي ، شاك في وحدانية الله .
34- { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب } .
كان بين رسالة يوسف ورسالة موسى أكثر من أربعة قرون ، وكان يوسف على خزائن أرض مصر ، وأعطاه الله الرسالة والدعوة إلى توحيد الله ، ولقي من قبط مصر ما لقيه الرُّسل من الشك والارتياب ، وكان الله قد أعطى يوسف تفسير الرؤيا ، وغير ذلك من المعجزات ، والبيانات المؤيدة لرسالته ، وقد قابله أهل مصر بالكنود مع شيء من المجاملة لتمتعه بالوزارة ، حتى إذا مات داعيا الله قائلا : { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين } . ( يوسف : 101 ) .
وهنا يذكّر الرجُل المؤمن معاصريه بأن أجدادكم قابلوا رسالة يوسف بالشك والارتياب ، حتى إذا مات يوسف قال الأجداد : لن يبعث الله من بعده رسولا إلينا ، وقد استرحنا منهم ، وهذا لون من الإسراف . في العصيان والتمرد على التوحيد ، والارتياب في صدق الرُّسل .
{ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب } .
أي : مثل ذلك الإضلال الشديد يضلّ الله به من أسرف في تقليد الآباء ، وتشكك في هدي السماء ، ولم يفتح قلبه لوحي الله ، وللدعوة إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر .
{ وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ } بن يعقوب عليهما السلام { مِن قَبْلُ } أي من قبل موسى { بالبينات } الأمور الظاهرة الدالة على صدقه { فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مّمَّا جَاءكُمْ بِهِ } من الدين { حتى إِذَا هَلَكَ } بالموت { قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } غاية لقوله : { فَمَا زِلْتُمْ } وأرادوا بقولهم : { لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } تكذيب رسالته ورسالة غيره أي لا رسول فيبعث فهم بعد الشك بتوا بهذا التكذيب ويكون ذلك ترقيا .
ويجوز أن يكون الشك في رسالته على حاله وبتهم إنما هو بتكذيب رسالة غيره من بعده ، وقيل : يحتمل أن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسداً وعناداً علما مات عليه السلام أقروا بها وانكروا أن يبعث الله تعالى من بعده رسولا وهو خلاف الظاهر ، ومجيء يوسف بن يعقوب عليهما السلام المخاطبين بالبينات قيل : من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد وكذلك نسبة الأفعال الباقية إليهم ، وجوز كون بعض الذين جاءهم يوسف عليه السلام حقيقة حيا ؛ ففي بعض التواريخ ان وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربعين وستين سنة فيكون من نسبة حال البعض إلى الكل ، واستظهر في البحر أن فرعون يوسف عليه السلام هو فرعون موسى عليه السلام ، وذكر عن أشهب عن مالك أنه بلغه أنه عمر اربعمائة وأربعين سنة ، والذي ذكره أغلب المؤرخين أن فرعون موسى اسمه الريان وفرعون يوسف اسمه الوليد .
وذكر القرطبي أن فرعون الأول من العمالقة وهذا قبطي ، وفرعون يوسف عليه السلام مات في زمنه ، واختار القول بتغايرهما ، وأمر المجيء وما معه من الأفعال على ما سمعت ، وقيل : المراد بيوسف المذكور هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق أرسله الله تعالى نبينا فأقام فيهم عشرين سنة وكان من أمرهم ما قص الله عز وجل : ومن الغريب جداً ما حكاه النقاش . والماوردي أن يوسف المذكور في هذه السورة من الجن بعثه الله تعالى رسولاً إليهم ، نقله الجلال السيوطي في الاتقان ولا يقبله من له أدنى إتقان . نعم القول بأن للجن نبياً منهم اسمه يوسف أيضاً مما عسى أن يقبل كما لا يهفى .
وقرئ { أَلَّن يَبْعَثَ } بادخال عمزة الاستفهام على حرف النفي كأن بعضهم يقرر بعضاً على نفي البعثة .
{ كذلك } أي مثل ذلك الاضلال الفظيع { يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } في العصيان { مُّرْتَابٌ } في دينه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد .
{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ } بن يعقوب عليهما السلام { مِنْ قَبْلُ } إتيان موسى بالبينات الدالة على صدقه ، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له ، { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } في حياته { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } ازداد شككم وشرككم ، و { قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } أي : هذا ظنكم الباطل ، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى ، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى ، لا يأمرهم وينهاهم ، ويرسل إليهم رسله ، وظن أن الله لا يرسل رسولا ظن ضلال ، ولهذا قال : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلمًا وعلوا ، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال ، وهم الكذبة ، حيث نسبوا ذلك إلى الله ، وكذبوا رسوله .
فالذي وصفه السرف والكذب ، لا ينفك عنهما ، لا يهديه الله ، ولا يوفقه للخير ، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه ، فجزاؤه أن يعاقبه الله ، بأن يمنعه الهدى ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.