تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (63)

57

المفردات :

البينات : المعجزات ، كالإنجيل و شفاء المرضى .

الحكمة : الشرائع المحكمة التي لا يستطاع نقضها ولا إبطالها ، أو بكل ما يؤدي إلى الإحسان .

تختلفون فيه : من الأمور الدينية .

التفسير :

63- { ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون } .

ولما جاء عيسى رسولا إلى قومه ومعه الإنجيل والمعجزات الواضحات ، مثل : شفاء المرضى ، وإحياء الموتى ، وإخبار قومه لما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وغير ذلك ، قال لقومه : قد جئتكم بالحكمة ، أي بالتشريع المناسب لكم ، وما تقتضيه الحكمة الإلهية من الأوامر والنواهي .

{ ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه . . . } أي : من أمور الدين لا من أمور الدنيا ، فإن الرسل أرسلهم الله تعالى ليبينوا للناس شئون دينهم لا شئون دنياهم .

قال الطبري : يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية . اه .

كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ، وأنا أعلم بأمور دينكم )16 .

فقد رأى صلى الله عليه وسلم قوما يؤبرون النخل ، أي يلقحون طلع النخلة الأنثى بطلع النخلة الذكر ، فقال : ( لو تركوه لصلح ) فتركوه فشاص ، أي : جف ولم ينجب تمرا ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( إذا أمرتكم بشيء من أمر الدين فاتبعوه ، وإذا أمرتكم بشيء من أمر الدنيا فأنتم أعلم بشئون دنياكم )17 .

فالأنبياء لم يبعثوا لبيان طرق الفلاحة والتجارة وغيرها من شئون الدنيا ، وإنما بعثوا لبيان شرائع الله وأحكامه ، وبيان الحلال والحرام ، والآداب والعبادات والمعاملات .

لذلك قال عيسى : { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه . . . }

وقيل : المراد أنه يبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه كطوائف مختلفة ، ولا يبين الكل حفاظا على حياته ، وعلى تحصيل قسط من القبول عندهم ، إتباعا للحكمة ، ورغبة في بيان جزء مقبول عندهم لا بيان كل مرفوض ، ومن حكم الدعاة قولهم : ( ليس كل ما يعلم يقال ، ولا كل ما يقال جاء وقته ، ولا كل ما جاء وقته حضر أهله ) .

وقريب من هذا المعنى ما ورد في الصحيح عن أحد الصحابة قوله : كان صلى الله عليه وسلم يتخوننا18 بالموعظة مخافة السآمة علينا والملل19 .

وفي آخر الآية : { فاتقوا الله وأطيعون } .

أي : راقبوا ربكم وأخلصوا له ، وأطيعوني كرسول مبلغ عن الله الهدى والتعاليم والشرائع والتكاليف .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (63)

{ وَلَمَّا جَاء عيسى بالبينات } بالأمور الواضحات وهي المعجزات أو آيات الإنجيل أو الشرائع ولا مانع من إرادة الجميع { قَالَ } لبني إسرائيل { قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة } أي الإنجيل كما قال القشيري : والماوردي ، وقال السدي : بالنبوة ، وفي رواية أخرى عنه هي قضايا يحكم بها العقل ، وقال أبو حيان : أي بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع ، وقال الضحاك : أي بالموعظة { وَلابَيّنَ لَكُم } متعلق بمقدر أي وجئتكم لأبين لكم ، ولم يترك العاطف ليتعلق بما قبله ليؤذن بالاهتمام بالعلة حيث جعلت كأنها كلام برأسه . وفي «الإرشاد » هو عطف على مقدر ينبىء عنه المجىء بالحكمة كأنه قيل قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم { بَعْضَ الذى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } وهو أمر الديانات وما يتعلق بالتكليف دون الأمور التي لم يتعبدوا بمعرفتها ككيفية نضد الأفلاك وأسباب اختلاف تشكلات القمر مثلاً فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيان ما يختلف فيه من ذلك ومثلها ما يتعلق بأمر الدنيا ككيفية الزراعة وما يصلح الزرع وما يفسده مثلاً فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيانه أيضاً كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة تأبير النخل " أنتم أعلم بأمور دنياكم "

وجوز أن يراد بهذا البعض بعض أمور الدين المكلف بها وأريد بالبيان البيان على سبيل التفصيل وهي لا يمكن بيان جميعها تفصيلاً وبعضها مفوض للاجتهاد ، وقال أبو عبيدة : المراد بعض الذي حرم عليهم وقد أحل عليه السلام لهم لحوم الإبل والشحك من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت ، وقال مجاهد : بعض الذي يختلفون فيه من تبديل التوراة ، وقال قتادة : لأبين لكم اختلاف الذين تحزبوا في أمره عليه السلام { فاتقوا الله } من مخالفتي { وَأَطِيعُونِ } فيما أبلغه عنه تعالى .