تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

ألوان من عناد الكافرين وسوء مصيرهم .

{ وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين 25 وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون 26 فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون 27 ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون 28 وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين 29 }

المفردات :

قيضنا : يسرنا وبعثنا وهيأنا .

قرناء : رفقاء وأصدقاء وأصحاب ، من قرن الشيء بالشيء ، أي : وصلَه به ، وأصحبه إياه .

فزينوا لهم : فحسّنوا لهم .

ما بين أيديهم : من قبائح أعمال الدنيا .

وما خلفهم : من أمور الآخرة ، مثل إنكار البعث والحشر ، حيث حسّنوا لهم التكذيب بالآخرة .

وحق عليهم القول : وجب عليهم الوعيد بالعذاب .

خلت : مضت ، أي : في جملة أمم كافرة قد مضت من قبلهم .

خاسرين : حين باعوا نعيم الآخرة ، واشتروا عذابها .

25

التفسير :

25-{ وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } .

إذا أراد الله بعبد خيرا رزقه رفيقا صالحا يذكّره إذا غفل ، ويأمره بالخير ويحذّره من الشر ، وإذا أراد الله بعبد شرا يسر له رفيق سوء ، لا يذكّره إذا غفل ، ولا يأمره بالخير ولا ينهاه عن الشرّ .

قال تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } . ( الزخرف : 36 ، 37 )

ومعنى الآية :

من سوء أعمالهم يسرنا لهم رفقاء سوء ، يحثّونهم على الشرّ ، ويزيّنون لهم المعاصي والكفر والفسوق في الدنيا ، ونكران البعث والحشر والجزاء في الآخرة ، فاستحقوا لعنة الله وعذاب النار مع أمم سابقة ، مثل قوم نوح وعاد وثمود ، وأشقياء من الجن والإنس باعوا ضمائرهم وآثروا العاجلة ، فخسروا نعيم الآخرة واستحقوا عذابها .

وفي أمثالهم يقول القرآن الكريم : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا* الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا * ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا } . ( الكهف : 103-106 ) .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

قوله تعالى : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ( 25 ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ( 26 ) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 27 ) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( 28 ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ } .

قيض أي أتاح{[4056]} والمعنى : أن الله هيأ للكافرين والعصاة قرناءهم الشياطين ، أو سلطهم عليهم تسليطا ، والمراد بهم شياطين الجن والإنس الذين يفتنون الناس عن دينهم ويُغْرونَهم بكل وجوه الإغراء والفتنة ليضلوهم عن منهج الله وعن سبيله المستقيم .

قوله : { فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي زينوا لهم الدنيا وما فيها من متاع ولذائد وزخرف فآثروا ذلك على الآخرة ، وكذلك زينوا لهم ما بعد الممات ؛ إذ دعوهم إلى التكذيب باليوم الآخر وأنّ من هلك منهم فلن يبعث وأنه لا ثواب ولا عقاب ، فصدَّقوهم على ذلك فضلوا وفعلوا الفواحش والمنكرات وتلبَّسوا بالشر والباطل .

وقيل : زينوا لم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء ، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم أن الدنيا قديمة وأنها لا تفنى ولا تزول .

قوله : { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } أي وجب على هؤلاء المشركين المكذبين من العذاب مثل الذي وجب على الأمم السابقة من قبلهم من الكافرين من الجن والإنس أي أنهم داخلون في الكفر مع الذين من قبلهم من مشركي الجن والإنس ، فكانوا جميعا في العذاب سواء بسبب كفرهم { إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } لقد خسروا أنفسهم يوم القيامة فكانوا من الهالكين المعذبين .


[4056]:مختار الصحاح ص 559