تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

{ أفترى على الله كذبا أم به جنة . . . }

المفردات :

افترى : الافتراء هو اختلاق الكذب أي أكذب وأختلق ؟

أم به جنة : جنون يوهمه ذلك ويجعله يتخيل البعث .

في العذاب : في الآخرة .

والضلال البعيد : الضلال البعيد عن الصواب في الدنيا أي ليس بمحمد افتراء أو جنون ولكن الكفار يعد عن الحق في الدنيا وعذاب في الآخرة .

التفسير :

إن حال محمد لا يخلو من أمرين : إما أن يكون قد اختلق هذا القول على الله كذبا وزورا دون أن ينزل عليه وحي ، أو أن يكون محمد به مرض الجنون الذي جعله لا يعقل ما يقول ويتوهم البعث ويتخيله .

{ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } .

أي ليس محمد بكاذب ولا بمجنون لكن كفار مكة قد ضلوا عن الحق ضلالا بعيدا ، واستحقوا العذاب الشديد في الآخرة .

ويجوز أن يكون المعنى : إن الكفار في بعدهم عن الله في قلق نفسي واضطراب وعدم استقرار فهم في عذاب دنيوي وعذاب أخروي وهم في ضلال شديد لعدم اهتدائهم بهدى الله ولعدم اتباعهم لرسول الله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

قوله تعالى : { افترى } ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ولذلك نصبت ، { على الله كذباً أم به جنة } يقولون : أزعم كذباً أم به جنون ؟ قال الله تعالى رداً عليهم : { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } من الحق في الدنيا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

ولما نفروا عنه بهذا الإخبار المحير{[56410]} في الحامل له عليه ، خيلوا بتقسيم القول فيه في استفهام مردد{[56411]} بين الاستعجام تعجيباً والإنكار ، فقالوا جواباً لمن سأل عن سبب إخباره بإسقاط همزة الوصل ، لعدم الإلباس هنا بخلاف ما يصحب لام التعريف فإنها لفتحها تلبس بالخبر : { افترى } أي تعمد { على الله } أي{[56412]} الذي لا أعظم منه { كذباً } بالإخبار بخلاف الواقع وهو عاقل يصح منه القصد{[56413]} . ولما كان يلزم من التعمد العقل ، قالوا : { أم به جنة } أي جنون ، فهو يقول الكذب ، وهو ما لا حقيقة له من غير تعمد ، لأنه ليس من أهل القصد ، فالآية من الاحتباك : ذكر الافتراء أولاً يدل على ضده ثانياً ، وذكر الجنون ثانياً يدل على ذكر ضده أولاً{[56414]} .

ولما كان الجواب : ليس به{[56415]} شيء من ذلك ، عطف عليه مخبراً عن بعض الذين كفروا بما يوجب ردع البعض الآخر قوله : { بل الذين لا يؤمنون } أي لا{[56416]} يجددون الإيمان لأنهم طبعوا على الكفر { بالآخرة } أي الفطرة الآخرة التي أدل شيء عليها الفطرة الأولى .

ولما كان هذا القول مسبباً عن ضلالهم ، وكان ضلالهم سبباً لعذابهم ، قدم العذاب لأنه المحط وليرتدع من أراد الله إيمانه فقال : { في العذاب } أي في الدنيا بمحاولة إبطال ما أراد الله إتمامه ، وفي الآخرة لما فيه من المعصية ، وأتبعه سببه فقال : { والضلال } أي عما يلزم من وجوب وحدانيته وشمول قدرته بسبب أن له ما في السماوات وما في الأرض .

ولما كان قولهم بعيداً من الحق لوصفهم أهدى الناس بالضلال ، وكان الضلال يبعد {[56417]}ببعد صاحبه{[56418]} عن الجادة وتوغله في المهامه الوعرة الشاسعة ، قال واصفاً له بوصف الضال{[56419]} : { البعيد * } فبين الوصف أنه لا يمكن الانفكاك عنه{[56420]} ، وعلم أن من الذين كفروا قسماً{[56421]} لم يطبعوا على الكفر ، فضلوا ضلالاً قريباً يمكن انفكاكهم عنه{[56422]} ، وهم الذين آمنوا منهم بعد ، وهو من بديع القول{[56423]} حيث عبر بهذا الظاهر الذي أفهم هذا التقسيم موضع الإضمار الذي كان حقه : بل هم في كذا .


[56410]:من م ومد، وفي الأصل وظ: المخبر.
[56411]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مرددين.
[56412]:زيد من ظ وم ومد.
[56413]:زيد من ظ ومد.
[56414]:زيد من ظ ومد.
[56415]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: فيه.
[56416]:زيد من ظ وم ومد.
[56417]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بصاحبه.
[56418]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بصاحبه.
[56419]:في ظ: الضلال.
[56420]:في ظ وم: منه.
[56421]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قسم.
[56422]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: منه.
[56423]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المنقول.