يغفر لكم من ذنوبكم : يغفر لكم ذنوبكم التي سبقت في الجاهلية .
ويؤخركم إلى أجل مسمّى : يمدّ في أعماركم إلى الأمد الأقصى الذي قدّره الله لكم .
إن أجل الله إذا جاء لا يؤخّر : ما قدره الله لكم ، إذا جاء على الوجه المقدّر به أزلا لا يؤخّر ، فبادروا في أوقات الإمهال .
4- يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجل مسمّى إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون .
إن عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله ، تؤدي بصاحبها إلى مغفرة الله ومرضاته ، والبركة في العمر ، والنجاة من العذاب في الدنيا ، ودخول الجنة في الآخرة .
لقد كان نوح واضحا وضوح الشمس في رائعة النهار ، حيث قال لقومه ما يأتي :
إن الإيمان بالله تعالى يحقق لكم مغفرة الله لذنوبكم التي ارتكبتموها قبل الإيمان ، ويحفظكم من عذاب الله في الدنيا ، ويؤخّر حياتكم إلى الأجل المنضوب لكم في الأزل ، فقد قدّر الله تعالى لكل إنسان أجله وعمره ورزقه ، وهو جنين في بطن أمّه ، وعقاب الله للكافرين إذا نزل بهم لا يتأخّر ، كما أن أجل الإنسان في هذه الدنيا لا يتقدم ولا يتأخر .
إن أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون .
وقال تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . ( النحل : 61 ) .
وقال سبحانه وتعالى : وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ، وما لهم من دونه من وال . ( الرعد : 11 ) .
{ أن اعبدوا الله واتقوه واطيعون . يغفر لكم من ذنوبكم } من صلة ، أي : يغفر لكم ذنوبكم . وقيل : يعني ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان ، وذلك بعض ذنوبهم ، { ويؤخركم إلى أجل مسمى } أي : بما فيكم إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم ، { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون } يقول : آمنوا قبل الموت ، تسلموا من العذاب ، فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان .
ولما كان الإنسان محل النقصان ، فلا ينفك عن ذنب فلا{[68608]} ينفعه إلا فناء الكرم ، أشار إلى ذلك مرغباً مستعطفاً لهم لئلا ييأسوا فيهلكوا بقوله جواباً للأمر : { يغفر لكم } أي كرماً منه{[68609]} وإحساناً ولطفاً{[68610]} .
ولما كان من الذنوب ما لا يتحتم غفرانه وهو ما بعد الإسلام قال{[68611]} : { من ذنوبكم } أي ما تقدم الإيمان من الشرك والعصيان وما تأخر عن الإيمان من الصغائر التي تفضل الله بالوعد بتكفيرها باجتناب الكبائر - هذا مما{[68612]} أوجبه سبحانه على نفسه المقدس بالوعد الذي لا يبدل ، وأما غيره مما عدا الشرك فإلى مشيئته سبحانه .
ولما كان الإنسان ، لما يغلب عليه من النسيان ، والاشتغال بالآمال ، يعرض عن الموت إعراض الشاك فيه بل المكذب به{[68613]} ذكرهم ترهيباً لهم لطفاً بهم ليستحضروا أنهم في القبضة فينزعوا مما يغضبه سبحانه ، فقال مشيراً إلى أن طول العمر في المعصية - وإن كان مع رغد العيش - عدم ، مهدداً{[68614]} بأنه قادر على الإهلاك في كل حين : { ويؤخركم } أي تأخيراً ينفعكم ، واعلم أن الأمور كلها قد قدرت{[68615]} وفرغ من ضبطها لإحاطة العلم والقدرة فلا يزاد فيها ولا ينقص ، ليعلم أن الإرسال إنما هو مظهر لما في الكيان{[68616]} ولا يظن أنه قالب للأعيان بتغيير ما سبق به القضاء من الطاعة أو{[68617]} العصيان فقال : { إلى أجل مسمى } أي قد سماه{[68618]} الله وعلمه{[68619]} قبل إيجادكم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ، فيكون موتكم على العادة{[68620]} متفرقاً وإلا أخذكم جميعاً بعذاب الاستئصال ، فهذا من علم ما لا يكون لو كان كيف [ كان-{[68621]} ] يكون ، و{[68622]}ذلك أنه علم أنهم إن أطاعوا نوحاً عليه السلام كان موتهم على العادة وإلا هلكوا هلاك نفس واحدة ، وعلم أنهم لا يطيعونه ، وأن موتهم إنما يكون بعذاب{[68623]} الاستئصال .
ولما كان الإنسان مجبولاً على الأطماع الفارغة ، فكان ربما قال للتعنت أو غيره : لم لا يخلدنا ؟ قال فطماً عن ذلك مؤكداً لاقتضاء المقام له : { إن أجل الله } أي{[68624]} الذي له الكمال كله فلا راد لأمره { إذا جاء لا يؤخر } وأما قبل مجيئه فربما يقع الدعاء و{[68625]}الطاعات والبر في البركة فيه يمنع الشواغل وإطابة الحياة ، فبادروا مجيء{[68626]} الأجل بالإيمان لأنه إذا جاء لم يمكنكم التدارك ، ولا ينفعكم بعد العيان الإيمان .
ولما كان من يعلم هذا يقيناً ، ويعلم أنه إذا{[68627]} كشف له عند الغرغرة أحب أن يؤخر ليتوب حين لا تأخير ، أحسن العمل خوفاً من فوات وقته وتحتم مقته ، نبه على ذلك بقوله : { لو كنتم تعلمون * } أي لو كان العلم أو تجدده وقتاً ما في غرائزكم لعلمتم تنبيه رسولكم صلى الله عليه وسلم أن الله يفعل ما يشاء ، وأن الأجل آت{[68628]} لا محالة فعملتم للنجاة ، ولكنكم تعملون{[68629]} في الانهماك في الشهوات عمل الشاك في الموت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.