تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

{ ورد الله الذين كفروا يغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا( 25 ) وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( 26 )وأورثكم أرضهم وديارهم و أموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا( 27 ) }

المفردات :

الذين كفروا : الأحزاب .

يغيظهم : الغيظ أشد الغضب والحنق .

لم ينالوا خيرا : غير ظافرين بشيء من مرادهم .

وكفى الله المؤمنين : وقاهم القتال بالريح والملائكة .

25

التفسير :

{ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا }

تبين هذه الآية إتمام الله النعمة على المؤمنين برحيل الأحزاب عن المدينة مذعورين خائفين في شدة من الغيظ والحنق فقد تفرقت الأحزاب عن المدينة ورحلوا في جنح الظلام بعد أن أرسل الله عليهم الريح فخلعت خيامهم وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فرحلت الأحزاب وهم في حالة من الخوف والفزع ، وانصرفت قريش وغطفان بغمهم يفوت ما أملوا من الظفر فلم ينتصروا في معركة ، ولم يصيبوا مالا ولا إسارا ولم يحتج المؤمنون إلى منازلتهم ومبارزتهم لإجلائهم عن بدلاهم بل كفى الله المؤمنين القتال ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .

روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده " .

{ وكان الله قويا عزيزا… . } فالله تعالى قادر على تنفيذ ما يريد عزيز لا يغلبه غالب فهو سبحانه فعال لما يريد وهو على كل شيء قدير .

قال محمد بن إسحاق لما انصرف أهل الخندق قال صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة .

وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق صحيح كما قال الإمام أحمد وروى مثله الإمام البخاري في صحيحه . 26

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

ولما ذكرهم سبحانه نعمته بما أرسل على أعدائهم من جنوده ، وبين أحوال المنافقين والصادقين وما له في ذلك من الأسرار ، وختم بهاتين الصفتين ، قال مذكراً بأثرهما فيما خرقه من العادة بصرف الأعداء على كثرتهم وقوتهم على حالة لا يرضاها لنفسه عاقل ، عاطفاً على قوله في أول {[55409]}السورة و{[55410]} القصة { فأرسلنا } : { ورد الله } أي بما له من صفات الكمال { الذين كفروا } أي ستروا ما دلت عليه شموس عقولهم من أدلة الوحدانية وحقية{[55411]} الرسالة ، وهم من تحزب من العرب وغيرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم عن المدينة {[55412]}ومضايقة{[55413]} المؤمنين ، حال كونهم { بغيظهم } الذي أوجب لهم التحزب ثم الذي أوجب لهم التفرق من غير طائل{[55414]} حال كونهم { لم ينالوا خيراً } لا من الدين ولا من الدنيا ، بل خذلهم بكل اعتبار .

ولما كان الرد قد يكون بسبب من عدوهم ، بين أن الأمر ليس كذلك فقال : { وكفى الله } أي العظيم بقوته وعزته عباده ، {[55415]}ودل{[55416]} على أنه{[55417]} ما فعل ذلك إلا لأجل أهل الإخلاص{[55418]} فقال : { المؤمنين القتال } بما ألقى في قلوبهم من الداعية للانصراف بالريح والجنود من الملائكة وغيرهم منهم نعيم بن{[55419]} مسعود كما تقدم .

ولما كان هذا أمراً باهراً ، أتبعه ما{[55420]} يدل على أنه عنده يسير فقال : { وكان الله } أي الذي له كل{[55421]} صفة كمال دائماً أزلاً وأبداً { قوياً } لا يعجزه شيء { عزيزاً{[55422]} } يغلب كل شيء .


[55409]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55410]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55411]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: حقيقة.
[55412]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55413]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55414]:زيد من ظ ومد.
[55415]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55416]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55417]:في ظ: ما.
[55418]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الخلاص.
[55419]:زيد من ظ وم ومد.
[55420]:في ظ: بما.
[55421]:سقط من ظ.
[55422]:تقدم في ظ على "لا يعجزه".
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

قوله تعالى : { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } رد الله قريشا وغطفان وغيرهم من الكافرين الذين تألّبوا على النبي والمؤمنين لاستئصالهم ، ردهم { بغيظهم } أي بكيدهم وغضبهم وحنقهم ؛ إذ عادوا خائبين خاسرين فلم يظفروا بما كانوا يطمعون فيه من الغلبة والنصر على المؤمنين .

قوله : { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } كفهم الله القتال بجنود الملائكة وبالريح العاصف الذي أعمى أبصارهم وبدد شملهم ، والمسلمون حينئذ آمنون سالمون : إذ لم يحتاجوا إلى منازلتهم أو قتالهم لإخراجهم من وطنهم بل كفاهم الله ذلك فردهم مذعورين متفرقين خزايًّا . وفي الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى ( رضي الله عنه ) قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال : " اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم " .

وبعد غزوة الخندق لم يقم المشركون بغزو المسلمين بل غزاهم المسلمون في بلادهم . وفي هذا روى الإمام أحمد عن سليمان بن صرد ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " الآن نغزوهم ولا يغزونا "

قوله : { وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } الله قوي قادر على فعل ما يشاء وعلى نصر جنده المؤمنين ، والله عزيز لا يغلبه غالب ، ينتقم لدينه وعباده المؤمنين من الظالمين المجرمين{[3722]}


[3722]:تفسير ابن كثير ج 3 ص 476-477، والكشاف ج 3 ص 256، وفتح القدير ج 3 ص 272 وتفسير القرطبي ج 14 ص 158-160