{ إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما( 56 ) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا( 57 ) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا( 58 ) }
{ إن الله وملائكته يصلون على النبيء يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .
الصلاة من الله هي أن رحمته سبقت غضبه وصلاة الله على النبي تعني الثناء عليه في الملأ الأعلى ، وشموله برحمة الله وبركته وتوفيقه وعنايته وصلاة الملائكة عليه معناها الاستغفار والدعاء له بعلو المنزلة والتوفيق .
وصلاة المؤمنين الدعاء بعلو المنزلة ونيل الشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة يوم القيامة .
وقد روى البخاري عن أبي العالية قال : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء . 62
معنى الآية : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } . أي إن الله يصلي على نبيه بالرحمة والرضوان والملائكة تدعو له بالمغفرة ورفعة الشأن لذا فأنتم أيها المؤمنون بالله ورسوله قولوا : اللهم صل وسلم على محمد ، أي ادعوا له بالرحمة ومزيد الشرف والدرجة العليا .
قال القرطبي هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته وذكر منزلته . . . والصلاة من الله رحمته ورضوانه ، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره .
ثم أورد القرطبي خمس مسائل تتعلق بهذه الآية حول صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير من الصلاة .
وقد وردت صيغ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منها صحيح ومنها سقيم .
قال ابن العربي ينبغي أن نعتمد على الصحيح دون الضعيف . أه .
روى الشيخان وأحمد وغيرهم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رجل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " . 63
وأما التسليم فهو بأن يقولوا : السلام عليك يا رسول الله ومعنى السلام عليك الدعاء لك بالسلامة من الآفات والنقائص .
وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا " . 64
ويسن الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وعند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وبعد النداء للصلاة وفي صلاة الجنازة .
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ يعني وقد قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " . 65
وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا صم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة " . 66
التكبيرة الأولى : يقرأ بعدها الفاتحة .
التكبير الثانية : يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية وهي : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
التكبيرة الثالثة : بعدها الدعاء للميت .
التكبيرة الرابعة : بعدها التسليم .
إذا سمع المسلم الأذان فليقل مثل ما يقول المؤذن ثم يصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم " .
قال جمهور العلماء لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا فلا يلحق بهم غيرهم .
قال عمر بن عبد العزيز : اجعلوا صلاتكم على النبيين ودعاءكم للمسلمين عامة ، ودعوا ما سوى ذلك . 67
قال النووي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقل : صلى الله عليه فقط ، ولا عليه السلام فقط ، بل يقول : ( صلى الله عليه وسلم ) أو ( صلى الله عليه وسلام تسليما ) لقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .
ومن أدب الدعاء أن تبدأه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو ثم تختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما .
ولما كانت هذه الآيات وما قبلها وما بعدها في إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مناقبه ، علل الأوامر فيها والنواهي وغيرها{[56016]} بقوله ، مؤكداً لاقتضاء الحال ذلك إما ممن{[56017]} آذاه بالجلوس{[56018]} في غير حينه فواضح ، وأما غيره فكان من حقهم أن لا يفارقوا المجلس حتى يعلموا من لا يعرف الأدب ، فكان تهاونهم في ذلك فعل من{[56019]} لا يريد إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم فهو تأديب وترهيب : { إن الله } أي وعلمكم محيط بأن له مجامع الكبر والعظمة والعز { وملائكته } أي{[56020]} وهم أهل النزاهة والقرب والعصمة .
ولما كان سبحانه قد قدم قوله : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } فأفرد كلاً بخبر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلى المخاطبين حظاً فإنه رأس المؤمنين ، أفرده هنا بهذه الصلاة التي جمع فيها الملائكة الكرام معه سبحانه وجعل الخبر{[56021]} عنهم خبراً{[56022]} واحداً{[56023]} ليكون أتم ، فإن قولك : فلان وفلان ينصران فلاناً ، أضخم من قولك : فلان ينصره و{[56024]} فلان ، فقال تعالى : { يصلون على النبي } أي{[56025]} يظهرون شرفه وما له من الوصلة بالملك الأعظم بما يوحيه الله إليه من عجائب الخلق والأمر من عالم الغيب والشهادة ، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه البخاري{[56026]} : " يبركون " .
ولما كانت ثمرة المراد بهذا الإعلام التأسي ، علم بآخر الكلام أن المعنى : ويسلمون {[56027]}عليه {[56028]}لأن ذلك من تمام الوصلة التي يدور عليها معنى الصلاة{[56029]} فأنتج ذلك قطعاً تفسير المراد بيصلون{[56030]} : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك بألسنتهم { صلوا عليه } بعدم{[56031]} الغفلة عن المبادرة إلى إظهار{[56032]} شرفه في حين من الأحيان تصديقاً لدعواكم ، ولأن الكبير إذا فعل شيئاً بادر كل محب {[56033]}له معتقد لعظمته إلى فعله { وسلموا } .
ولما كان المراد بكل من الصلاة والسلام إظهار الشرف ، وكان السلام أظهر معنى في ذلك ، وكان تحيته عند اللقاء واجباً في التشهد بلا خلاف ، ودالاً على الإذعان لجميع أوامره الذي لا يحصل الإيمان إلا به ، وهو من{[56034]} المسلم نفسه ، وأما الصلاة فإنها يطلبها المصلي من الله ، أكدهما به فقال : { تسليماً * } أي فأظهروا شرفه{[56035]} بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأمر به ، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم على نحو{[56036]} ما علمكم في التشهد وغيره مما ورد في الأحاديث عن أبي سعيد الخدري وكعب بن عجرة وغيرهما رضي الله عنهم بيان التقاء الصلاة والسلام في إظهار الشرف فإن الصلاة - كما قال{[56037]} في القاموس - الدعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء من الله عز وجل وعبادة فيها ركوع وسجود - انتهى . والسلام هو التحية والتحية{[56038]} - كما قال البيضاوي في تفسير سورة النساء - في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة ، ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك ، ثم قيل لكل دعاء ، فغلب في السلام ، وفي القاموس : التحية : السلام والبقاء والملك ، وحياك الله : أبقاك أو{[56039]} ملكلك ، وقال الإمام أبو عبد الله القزاز في جامعه : السلام اسم من أسماء الله ، والسلام ههنا بمعنى السلامة ، كما يقال{[56040]} الرضاع والرضاعة ، واللذاذ واللذاذة ، قالوا : ومعنى قول القائل لصاحبه : سلام عليك أي{[56041]} قد سلمت مني {[56042]}لا أنالك{[56043]} بيد ولا لسان ، وقيل : معناه السلامة من الله عليكم ، وقيل : هو الرحمة ، وقيل{[56044]} : الأمان ، و{[56045]}السلامة هي{[56046]} النجاة من الآفات - انتهى . فقد ظهر أن معنى الكل كما ترى ينظر إلى إظهار الشرف نظر الملزوم إلى اللازم ، ولذلك فسر البيضاوي يصلون بقوله : يعنتون{[56047]} بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ، وسلموا بقوله : قولوا السلام عليك ، أو انقادوا لأوامره ، فلما تآخيا في هذا المعنى ، وكان هو المراد أكد بلفظ السلام تحصيلاً لتمام المقصود بدلالته على الانقياد ، فهو مؤكد لصلوا بمعناه ولسلموا بلفظه ، استعمالاً للشيء {[56048]}في حقيقته{[56049]} ومجازه كما هو مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه ، ومثل بآية النساء لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }[ النساء : 43 ] وبقوله :{ أو لامستم النساء }[ النساء : 43 ، المائدة : 6 ] وغير ذلك ، وقد بينت في سورة{[56050]} الرعد أن مادة " صلوا " بجميع تراكيبها تدور على الوصلة وهي لازمة لكل ما ذكر من تفسيرها ، هذا ولك أن تجعله من الاحتباك فتقول : حذف التأكيد أولاً لفعل{[56051]} الصلاة لما دل عليه من التأكيد بمصدر السلام ، ويرجح إظهار مصدر السلام بما تقدم ذكره ، وحذف متعلق السلام لدلالة متعلق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وليصلح أن يكون عليه وأن يكون له ، فيصلح أن يجعل التسليم بمعنى الإذعان - والله {[56052]}هو الموفق للصواب{[56053]} .