تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

توجيهات للمؤمنين

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( 6 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 7 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 8 ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 9 ) }

6

المفردات :

قوا أنفسكم : اجعلوا لها وقاية من النار بترك المعاصي .

وأهليكم : بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب .

الوقود : ( بفتح الواو ) ما توقد به النار .

الحجارة : الأصنام التي تعبد ، قال تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَبُ جهنم . . . ( الأنبياء : 98 ) .

ملائكة : هم خزنة جهنم التسعة عشر .

غلاظ : غلاظ القلوب ، لا يرحمون إذا استُرحموا .

شداد : أقوياء الأبدان ، شداد الأفعال .

التفسير :

6-{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .

بعد أن حذّرت الآيات السابقة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من إيذائه ، توجهت هذه الآيات إلى نصح المؤمنين بالتوبة والاستقامة والعمل الصالح ، وأن يجعلوا بين أنفسهم وبين النار وقاية وحماية ، وذلك بعمل المأمورات وترك المنهيات ، واجتناب الشبهات .

أما وقايتهم لأهليهم من النار ، فذلك بحملهم على الطاعات ، وأمرهم بالصلوات ، وإلزامهم بآداب الإسلام ، ورعايتهم وتأديبهم .

قال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } . ( طه : 132 ) .

قال قتادة : تأمر أهلك بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به ، وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت معصية قدعتهم عنها ، وزجرتهم عنها . 1ه .

وروى أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرّقوا بينهما في المضاجع " . 8

وروى الترمذي ، والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن " 9

صفة النار أعادنا الله منها

{ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ . . . }

إن أمر هذه النار يدعو إلى العجب ، لأن نار الدنيا تتقد بالحطب ، أما نار الآخرة فإنها تتقد بأجسام الكفار والمشركين ، وبالأصنام التي عُبدت من دون الله ، وقد ورد في وصف جهنم وأهوالها وعذابها آيات وأحاديث كثيرة ، لتحذير الناس منها ، وكثيرا ما قارن القرآن بين نعيم أهل الجنة وعذاب أهل لنار

قال تعالى : { كمن هو خالد في النار وسُقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم } . ( محمد : 15 ) .

{ علَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ . . } .

يحيط بالنار زبانية .

قال تعالى : { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ( 29 ) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( 30 ) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا . . . }( المدثر : 29-31 ) .

{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .

فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم ، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم ، وهم بغلظتهم هذه وشدتهم مُوكّلون بهذه النار الشديدة الغليظة .

وعلى المؤمن أن يقي نفسه ، وأن يقي أهله هذه النار ، قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

شرح الكلمات :

{ قوا أنفسكم وأهليكم } : أي اجعلوا لها وقاية بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم .

{ ناراً وقودها الناس والحجارة } : أي توقد بالكفار والأصنام التي تعبد من دون الله ، لا بالحطب ونحوه .

المعنى :

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } هذا نداء الله إلى عباده المؤمنين يعظهم وينصح لهم فيه أن يقوا أنفسهم وأهليهم من زوجة وولد ، ناراً عظيمة ، وقودها أي ما توقد به الناس من المشركين والحجارة التي هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها يقون أنفسهم بطاعة الله ورسوله تلك الطاعة التي تزكي أنفسهم وتؤهلهم لدخول الجنة بعد النجاة من النار .

وقوله تعالى { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } أي على النار قائمون عليها وهم الخزنة التسعة عشرة غلاظ القلوب والطباع شداد البطش إذا بطشوا ولا يعصون الله لا يخالفون أمره ، وينتهون إلى ما يأمرهم به وهو معنى ويفعلون ما يؤمرون .

الهداية

من الهداية :

- وجوب العناية بالزوجة والأولاد وتربيتهم وأمرهم بطاعة الله ورسوله ونهيهم عن ترك ذلك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ 6 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

أي : يا من من الله عليهم بالإيمان ، قوموا بلوازمه وشروطه .

ف { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة ، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله ، والقيام بأمره امتثالًا ، ونهيه اجتنابًا ، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب ، ووقاية الأهل [ والأولاد ] ، بتأديبهم وتعليمهم ، وإجبارهم على أمر الله ، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه ، وفيما يدخل{[1163]}  تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه .

ووصف الله النار بهذه الأوصاف ، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } كما قال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } .

{ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } أي : غليظة أخلاقهم ، عظيم{[1164]}  انتهارهم ، يفزعون بأصواتهم ويخيفون{[1165]}  بمرآهم ، ويهينون أصحاب النار بقوتهم ، ويمتثلون{[1166]}  فيهم أمر الله ، الذي حتم عليهم العذاب{[1167]}  وأوجب عليهم شدة العقاب ، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام ، وانقيادهم لأمر الله ، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به .


[1163]:- في ب: وفيمن يدخل.
[1164]:- في ب: شديد.
[1165]:- في ب: ويزعجون.
[1166]:- في ب: وينفذون.
[1167]:- في ب: بالعذاب.