{ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ( 4 ) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ( 5 ) }
واللائي يئسن : أي : انقطع عنهن الحيض لكبر سنهن ، وقُدّر بستين أو خمس وخمسين سنة .
إن ارتبتم : إن شككتم كيف تكون عدة اليائسة .
4-{ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } .
نجد عناية القرآن بالبيان الكامل لحالات العدة ، فقد سبق في سورة البقرة عدّة المطلقة ذات الأقراء ، وهي التي ينزل عليها الحيض ، فتعتد بنزول ثلاث حيضات عليها ، أو ثلاثة أطهار ، حسب آراء الفقهاء .
لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . . . } ( البقرة : 228 ) .
وقد بين الله عدة المتوفى عنها زوجها في سورة البقرة ، حيث قال تعالى : { والذين يُتوفّون منكم ويَذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا . . . } ( البقرة : 234 ) .
وقد بيّن هنا عدة المرأة التي يئست من نزول الدم عليها لبلوغها سنّ الخامسة والخمسين أو الستين ، أو انقطع الدم عنها لأي سبب قبل ذلك أو بعده ، فعدتها ثلاثة أشهر ، وعدة الصغيرة التي لم ينزل عليها دم الحيض ثلاثة أشهر ، إذا طلق الرجل امرأة صغيرة قبل أن ينزل عليها دم الحيض ، وكذلك كل امرأة لم ينزل عليها دم الحيض ، وكذلك كل امرأة لم ينزل عليها دم الحيض لأي سبب فعدتها ثلاثة أشهر ، وأما المرأة الحامل المطلّقة فإن عدتها وضع الحمل ، سواء كانت العدة من الطلاق أو من وفاة الزوج ، لأن المقصود من العدة معرفة براءة الرحم من الحمل ، ووضع الحمل أكبر دليل على تعرّف ذلك .
والنساء الكبيرات في السن اللائي بلغن سنّ اليأس من المحيض ، إذا شككتم وتساءلتم كيف تعتد في حالة انقطاع دم الحيض ، فالجواب أن عدتهن ثلاثة أشهر ، وكذلك النساء الصغيرات إذا طُلّقن قبل نزول الحيض عليهن فعدتن ثلاثة أشهر ، أما النساء الحوامل فعدّة الحامل هي وضع الحمل ، سواء أكانت العدة من الطلاق أم من الوفاة ، وهذا رأي الجمهور .
ورأى الإمام على أن الآية في المطلقات ، أمّا المتوفى عنها زوجها فعدتها آخر الأجلين : الأشهر ، أو وضع الحمل ، وهو مذهب الإمامية .
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } .
ومن يراقب الله تعالى في تنفيذ أحكام الطلاق ، ييسر الله تعالى له أموره ، ويعوّضه ويجعل له من كل همّ فرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب .
قوله عز وجل{ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } فلا ترجون أن يحضن ، { إن ارتبتم } أي : شككتم فلم تدروا ما عدتهن ، { فعدتهن ثلاثة أشهر } قال مقاتل : لما نزلت : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }( البقرة- 228 ) ، قال خلاد بن النعمان بن قيس الأنصاري : يا رسول الله فما عدة من لا تحيض ، والتي لم تحض ، وعدة الحبلى ؟ فأنزل الله : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } يعني القواعد اللائي قعدن عن الحيض إن ارتبتم شككتم في حكمهن فعدتهن ثلاثة أشهر " . { واللائي لم يحضن } يعني الصغار اللائي لم يحضن فعدتهن أيضاً ثلاثة أشهر . أما الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغها سن الآيسات : فذهب أكثر أهل العلم إلى أن عدتها لا تنقضي حتى يعاودها الدم ، فتعتد بثلاثة أقراء ، أو تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة أشهر . وهو قول عثمان ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود ، وبه قال عطاء ، وإليه ذهب الشافعي وأصحاب الرأي . وحكي عن عمر : أنها تتربص تسعة أشهر ، فإن لم تحض تعتد بثلاثة أشهر وهو قول مالك . وقال الحسن : تتربص سنة فإن لم تحض تعتد بثلاثة أشهر . وهذا كله في عدة الطلاق . وأما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر ، ً سواء كانت ممن تحيض أو لا تحيض . أما الحامل فعدتها بوضع الحمل سواء طلقها زوجها أو مات عنها ، لقوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } أخبرنا عبد الوهاب ابن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا سفيان ، أنبأنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه : " أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك فقال : قد تصنعت للأزواج ، إنها أربعة أشهر وعشر ، فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كذب أبو السنابل -أو : ليس كما قال أبو السنابل- قد حللت فتزوجي " . { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً } أي : يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة .
{ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } أي القواعد من النساء اللاتي قعدن عن الحيض { إن ارتبتم } ان شككتم في حكمهن ولم تعلموا عدتهن وذلك أنهم سألوا فقالوا قد عرفنا عدة التي تحيض فما عدة التي لا تحيض والتي لم تحض بعد فبين الله تعالى ذلك فقال { فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يعني الصغار { وأولات الأحمال } ذوات الحمل من النساء { أجلهن } عدتهن { أن يضعن حملهن } فاذا وضعت الحامل انقضت عدتها مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها { ومن يتق الله } بطاعته في أوامره ونواهيه { يجعل له من أمره يسرا } أتاه باليسر في أموره
ولما وسط بين العدد هذه الجمل{[66069]} الواعظة دلالة على عظمتها حثاً على امتثالها والمبادرة إليها ، وختم بالتقدير ، أتبع ذلك بيان مقادير العدد على وجه أبان أن الكلام الماضي كان في الحوائض الرجعيات فقال : { واللائي يئسن } أي من المطلقات { من المحيض } أي الحيض وزمانه لوصولها إلى سن يجاوز القدر الذي ترجو {[66070]}فيه النساء{[66071]} الحيض فصارت بحيث لا ترجوه ، وذلك السن خمس وخمسون سنة أو ستون سنة ، وقيل : سبعون{[66072]} وهن{[66073]} القواعد ، وأما من انقطع حيضها في زمن ترجو فيه الحيض فإنها تنتظر{[66074]} سن اليأس .
ولما كان هذا الحكم خاصاً بأزواج المسلمين لحرمة فرشهم وحفظ أنسابهم قال : { من نسائكم } أي أيها المسلمون سواء كن مسلمات أو من أهل الكتاب ، ولما كان الموجب للعدة إنما هو الدخول لا مجرد الطلاق قال : { إن ارتبتم } بأن أجلتم النظر في أمرهن ، فأداكم إلى ريب في{[66075]} هل هن حاملات أم لا ، وذلك بالدخول عليهن الذي هو سبب الريب بالحمل{[66076]} في الجملة { فعدتهن ثلاثة أشهر } كل شهر يقوم مقام حيضة لأن أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر .
ولما أتم قسمي ذوات الحيض{[66077]} إشارة وعبارة قال : { واللائي لم يحضن } أي لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً وإن كن بالغات فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً ، وهذا مشير إلى أن أولات الحيض بائنات{[66078]} كن أو لا عدتهن ثلاثة{[66079]} قروء كما تقدم في البقرة لأن هذه الأشهر عوض عنها ، فأما أن يكون القرء - وهو الطهر - بين حيضتين ، أو بين الطلاق والحيض ، وهذا كله في المطلقة ، وأما المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشراً كما في البقرة .
ولما فرغ من آئسات الحوامل أتبعه ذكر الحوامل فقال : { وأولات الأحمال } أي من جميع الزوجات المسلمات والكفار{[66080]} المطلقات على كل حال {[66081]}والمتوفى عنهن إذا كان حملهن من الزوج مسلماً كان أو لا { أجلهن } أي لمنتهى{[66082]} العدة سواء كان لهن مع الحمل حيض أم لا { أن يضعن } ولما كان توحيد الحمل لا ينشأ عنه لبس ، وكان الجمع ربما أوهم أنه لا تحل واحدة منهن حتى يضع جمعاً{[66083]} قال : { حملهن } وهذا على عمومه مخصص لآية
{ يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً }[ البقرة : 234 ] لأن{[66084]} المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذلك في قوله : { أزواجاً } لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم ، وعموم { أزواجاً } بالعرض لأنه بدلي لا يصلح لتناول جميع الأزواج في حال واحد ، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك{[66085]} ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال ، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج ، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة ، فتقديمها على تلك تخصيص ، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ والأول هو الراجح للوفاق عليه ، فإن كان الحمل من زنا أو شبهة فلا حرمة له ، والعدة بالحيض .
ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة من المعاسرة والمياسرة في غاية المشقة ، فلا يحمل على العدل فيها والعفة{[66086]} إلا خوف الله ، كرر تلميعاً بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك وترغيباً في لزوم ما حده سبحانه ، فقال عاطفاً على ما{[66087]} تقديره : فمن لم يحفظ هذه الحدود عسر الله عليه أموره : { ومن يتق الله{[66088]} } أي يوجد الخوف من الملك الأعظم إيجاداً مستمراً ليجعل بينه وبين سخطه وقاية من طاعاته اجتلاباً للمأمور واجتناباً للمنهي { يجعل له } أي يوجد إيجاداً مستمراً باستمرار التقوى " إن الله لا يمل حتى تملوا " { من أمره } أي كله في النكاح وغيره { يسراً * } أي سهولة وفرجاً وخيراً في {[66089]}الدارين بالدفع والنفع{[66090]} ، وذلك أعظم من مطلق المخرج المتقدم في الآية الأولى .