تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

16

المفردات :

الصّديق : من كثر منه الصدق وصار سجية له .

الشهداء : من قتلوا في سبيل الله ، واحدهم شهيد .

التفسير :

19- { وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .

إذا صدق المؤمن في إيمانه وتصديقه بالله ورسله ، فتح الله أمامه أبواب الرقي إلى الدرجات العلى ، فالإيمان لمن صدق لا لمن سبق ، ليس في الإسلام كهنوت أو خصوصية تقصر الرقيّ إلى الدرجات العلى على أسر معينة أو فئة معينة .

فسلمان الفارسي صدق في إيمانه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " سلمان منا آل البيت " 14 . ومثل ذلك صهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وتخلّف عن ركب الرسالة أبو لهب القرشيّ .

وهنا يسجّل القرآن وساما للمؤمنين الصادقين في إيمانهم ، فيجعلهم في درجة الصدّيقين ، وفي درجة الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم وأنفسهم في سبيل الله ، فأدخلهم الله الجنة ، وجعل أرواحهم في حواصل طير خضر تسبح حول الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتشرب من رحيقها المختوم ، كما ورد في الحديث الصحيح .

والمفسرون لهم رأيان في تفسير هذه الآية :

الرأي الأول :

أن لها موضوعين فقط هما : المؤمنون ، والكافرون .

والمعنى :

والذين آمنوا بالله ربا وخالقا وإلها واحدا أحدا ، وآمنوا بالرسل أجمعين ولم يفرقوا بين أحد منهم : هؤلاء هم الصديقون الذين صدقوا في إيمانهم فحازوا درجة الصدّيقية ، ودرجة الشهادة في سبيل الله .

قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسوله فهو صدّيق وشهيد . ( عن تفسير الفخر الرازي ) .

الرأي الثاني :

معنى الآية كالآتي :

والذين آمنوا بالله ورسله هم في منزلة الصديقين ، والذين استشهدوا في سبيل الله هم في منزلة عليا عند الله تعالى ، لهم أجر الشهادة في سبيل الله ، ولهم النور الموعود الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم .

أي أن الآية أشارت إلى ثلاثة أصناف :

1- { الذين آمنوا بالله ورسله لهم درجة الصديقين } .

2- الشهداء عند الله تعالى في أعلى الجنان لهم ثوابهم ونورهم .

3- الذين كفروا بآيات الله أولئك أصحاب الجحيم .

وقد أورد الحافظ ابن كثير الرأيين في تفسيره ، واستشهد للرأي الثاني بقوله :

قال أبو الضحى : أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ . ثم استأنف الكلام فقال : { وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } .

وعن ابن مسعود قال : هم ثلاثة أصناف : المصدّقون ، والصديقون ، والشهداء ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا } . ( النساء : 69 ، 70 ) .

وفي الآية نجد أربعة أصناف : الأنبياء ، الصديقين ، الشهداء ، الصالحين .

والأمر في حقيقته راجع إلى فضل الله ونعمته وألطافه وكرمه .

وقد وردت الأحاديث الصحيحة ترفع من شأن من صدّق بالله ورسله ، وتبيّن أنه في الغرف العليا في الجنة ، التي يتطلع أهل الجنة إليها ، كما نتطلع إلى نجوم السماء .

روى الشيخان ، ومالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدريّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين " . 15

الشهداء :

أما منزلة الشهداء فقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم ، والسنّة المطهرة ، لقد جادوا بأرواحهم وأنفسهم في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الله ، فجعلهم الله عنده أحياء ، كما قال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } . ( آل عمران : 169-171 ) .

وأخرج الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أحد يدخل الجنة يحبّ أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " 16 .

من المنتخب في تفسير القرآن

{ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .

والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ، أولئك هم الصديقون والشهداء ، منزلة وعلوّ مرتبة ، لهم ثواب ونور يوم القيامة ، مثل ثواب الصديقين والشهداء ونورهم ، والذين كفروا وكذبوا بآيات الله أولئك هم أصحاب النار لا يفارقونها أبدا .

مقارنة

بينما نجد المؤمنين الصادقين في إيمانهم ترتفع أقدارهم ودرجاتهم في معيّة الله وكرامته ، مع الثواب الجزيل ، والنور المبين ، نجد جزاء الكافرين الذين كذبوا بآيات الله ، وجحدوا حقائق الإيمان ، وكفروا بالله ورسله ، نجد أنهم يلازمون الجحيم كأنهم أصحابها ، لا يفارقونها أبدا : أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .

اللهم إنا نعوذ بك من النار ومن عذاب النار ، ومن كل عمل يقربنا إلى النار ، اللهم أدخلنا الجنة مع الأبرار ، بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: والذين أقرّوا بوحدانية الله وإرساله رسله، فصدّقوا الرسل وآمنوا بما جاؤوهم به من عند ربهم، أولئك هم الصّدّيقون.

وقوله:"والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ "اختلف أهل التأويل في ذلك؛ فقال بعضهم: والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله، والخبر عن الذين آمنوا بالله ورسله، متناه عند قوله: "الصّدّيقُونَ"... ثم ابتدئ الخبر عن الشهداء فقيل: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم...

وقال آخرون: بل قوله: والشهداء من صفة الذين آمنوا بالله ورسله قالوا: إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله: "والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ" ثم ابتدئ الخبر عما لهم، فقيل: لهم أجرهم ونورهم...

وقال آخرون: الشهداء عند ربهم في هذا الموضع: النبيون الذين يشهدون على أممهم من قول الله عزّ وجلّ "فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا".

والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: الكلام والخبر عن الذين آمنوا، متناه عند قوله: "أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ"، وإن قوله: "والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ" خبر مبتدأ عن الشهداء.

وإنما قلنا: إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر، وأنّ الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره، إلا أن يُراد به شهيد على ما آمن به وصدّقه، فيكون ذلك وجها، وإن كان فيه بعض البعد، لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه، إذا أطلق بغير وصل، فتأويل قوله: "والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ" إذن: والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله، أو هلكوا في سبيله عند ربهم، لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم.

وقوله: "وَالّذِينَ كَفَرُوا وكَذّبُوا بآياتِنا أُولَئِكَ أصحَابُ الجَحِيمِ" يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بالله وكذّبوا بأدلته وحججه، أولئك أصحاب الجحيم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصدّيقون} سمى المؤمنين صديقين، والصديق لا يقال إلا لمن يكثر منه التصديق، وقد يكثر منه التصديق، وقد يكثر من كل مؤمن التصديق، وإن كان ما يأتي به، إنما هو شيء واحد، نحو أنه إذا صدق الله صدق رسله في ما أخبروا عن الله تعالى وفي ما دعوا إلى ما دعوا، وبلغوا عن الله إلى الناس، وصدق الخلائق جميعا في ما شهدوا على وحدانية الله تعالى وأوهيته من حيث شهادة الخلقة وشهادة الأخبار في حق المؤمنين. فتصديقه يكثر، وإن كان الكلام في نفسه يقل...

وقوله تعالى: {والشهداء عند ربهم} من الناس من جعل قوله:

{والشهداء عند ربهم} على الابتداء مقطوعا من قوله: {أولئك هم الصديقون} ومنهم من وصله به...ومن قال: إنه موصول بالأول ذهب إلى أن المؤمنين شهداء على الناس كقوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} الآية [البقرة: 143] سماهم شهداء على غيرهم من الأمم، والله أعلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يريد أنّ المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصدّيقين والشهداء؛ وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} أي: مثل أجر الصدّيقين والشهداء ومثل نورهم.

فإن قلت: كيف يسوّي بينهم في الأجر ولا بدّ من التفاوت؟ قلت: المعنى أنّ الله يعطي المؤمنين أجرهم ويضاعفه لهم بفضله، حتى يساوى أجرهم مع إضعافه أجر أولئك.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشُّهَدَاءُ}:...أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى الْأُمَمِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:"لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ". وَأَمَّا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى الْكُلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والذين آمنوا} اي أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم {بالله} أي الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام {ورسله} اي كلهم لما لهم من النسبة إليه، فمن كذب بشيء على أحد منهم أو عمل عمل المكذب له لم يكن مؤمناً به {أولئك} أي الذين لهم الرتب العالية والمقامات السامية {هم} أي خاصة لا غيرهم {الصديقون} أي الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه، ولما كان الصديق لا يكون عريقاً في الصديقية إلا بالتأهيل لرتبة الشهادة قال تعالى: {والشهداء} معبراً بما مفرده شهيد عاطفاً بالواو إشارة إلى قوة التمكن في كل من الوصفين...

{والذين كفروا} أي ستروا ما دلت عليه أنوار عقولهم ومرائي فكرهم {وكذبوا بآياتنا} على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا سواء كانوا في ذلك مساترين أو مجاهرين أو عمل العالم بها عمل المكذب {أولئك} أي المبعدون من الخير خاصة {أصحاب الجحيم}...وأولئك هم الكاذبون الذين لا تقبل لهم شهادة عند ربهم، لهم عقابهم وعليهم ظلامهم، والآية من الاحتباك: ذكر الصديقية وما معها أولاً دليلاً على أضدادها ثانياً، و الجحيم ثانياً دليلاً على النعيم أولاً، وسره أن الأول أعظم في الكرامة، والثاني أعظم في الإهانة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون).. وتلك خاصية هذا الدين وميزته. إنه طريق مفتوح لجميع البشر، وأفق يتطلع إليه الجميع، ليس فيه احتكار للمقامات، وليس فيه خصوصيات محجوزة لأناس بأعيانهم. وليس إلا العمل يصعد بصاحبه إلى أرقى الدرجات. إنه دين لا مجال فيه للطبقات المحفوظة المقام!...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } المبالغون في الصدق { والشهداء عند ربهم } أي الأنبياء عليهم السلام { لهم أجرهم ونورهم } في ظلمة القبر وقيل هم جميع المؤمنين

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

قوله تعالى : " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " اختلف في " الشهداء " هل هو مقطوع مما قبل أو متصل به . فقال مجاهد وزيد بن أسلم : إن الشهداء والصديقين هم المؤمنون وأنه متصل ، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يوقف على هذا على قوله : " الصديقون " وهذا قول ابن مسعود في تأويل الآية . قال القشيري قال الله تعالى : " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " [ النساء : 69 ] فالصديقون هم الذين يتلون الأنبياء ، والشهداء هم الذين يتلون الصديقين ، والصالحون يتلون الشهداء ، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدق بالرسل ، أعني " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء " . ويكون المعنى بالشهداء من شهد لله بالوحدانية ، فيكون صديق فوق صديق في الدرجات ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أهل الجنات العلا ليراهم من دونهم كما يرى أحدكم الكوكب الذي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنْعَمَا{[14717]} ) وروي عن ابن عباس ومسروق أن الشهداء غير الصديقين . فالشهداء على هذا منفصل مما قبله والوقف على قوله : " الصديقون " حسن . والمعنى " والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " أي لهم أجر أنفسهم ونور أنفسهم . وفيهم قولان أحدهما : أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب ، قاله الكلبي ، ودليله قوله تعالى : " وجئنا بك على هؤلاء شهيدا{[14718]} " [ النساء : 41 ] . الثاني : أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة ، وفيما يشهدون به قولان : أحدهما : أنهم يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية . وهذا معنى قول مجاهد . الثاني : يشهدون لأنبيائهم بتبليغهم الرسالة إلى أممهم ، قاله الكلبي . وقال مقاتل قولا ثالثا : إنهم القتلى في سبيل الله تعالى . ونحوه عن ابن عباس أيضا قال : أراد شهداء المؤمنين . والواو واو الابتداء . والصديقون على هذا القول مقطوع من الشهداء . وقد اختلف في تعيينهم ، فقال الضحاك : هم ثمانية نفر ، أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة . وتابعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، ألحقه الله بهم لما صدق نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال مقاتل بن حيان : الصديقون هم الذين آمنوا بالرسل ولم يكذبوهم طرفة عين ، مثل مؤمن آل فرعون ، وصاحب آل ياسين ، وأبي بكر الصديق ، وأصحاب الأخدود .

قوله تعالى : " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا " أي بالرسل والمعجزات " أولئك أصحاب الجحيم " فلا أجر لهم ولا نور .


[14717]:"أنعما" أي زادا وفضلا. وقيل معناه: صارا إلى النعيم ودخلا فيه.
[14718]:راجع جـ 5 ص 271. وص 197.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

قوله : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون والشهداء عند ربهم } يعني أولئك المؤمنون بالله ورسوله إيمانا صادقا فهم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء . والمراد بالصديقين ، المبالغون في صدق القلوب وإخلاص النوايا . والشهداء هم القائمون بالشهادة لله ، أو هم الذين استشهدوا في سبيل الله . وقيل : هذه الجملة { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون } جملة مفصولة . ثم استأنف الكلام في قوله : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } فالشهداء مبتدأ وخبره { لهم أجرهم ونورهم } . قوله : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } ذلك وعيد شديد من الله للجاحدين المكذبين بآياته ، المعرضين عن دينه ، بأنهم صائرون إلى الجحيم حيث النار المتسعّرة والعذاب المهين{[4462]} .


[4462]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 313 وتفسير النسفي جـ 4 ص 227.