{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 18 ) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 19 ) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ( 20 ) }
غد : هو يوم القيامة ، سمي بذلك لقربه ، فكل آت قريب ، كما قيل : وإن غدا لناظره قريب .
18- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
فافعلوا ما به أمر ، واتركوا ما عنه نهى وزجر .
{ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ . . . }
أي : ولتنظروا ماذا قدمتم لآخرتكم مما ينفعكم يوم الحساب والجزاء ، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكنهم من توقع العذاب حيارى .
تكرير للتوكيد ، لما يستدعيه الحال من التنبيه والحث على التقوى التي هي الزاد في الميعاد .
ثم وعد وأوعد ، وبشر وأنذر ، فقال :
{ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
أي أنه تعالى عليم بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من شئونكم ، فراقبوه في جليل أعمالكم وحقيرها ، واعلموا أنه سبحانه سيحاسبكم على النقير والقطمير ، والقليل والكثير ، ولا يفوته شيء من ذلك .
لغد : يوم القيامة ، كأنه من قربه يوم غد ، وكل آت قريب .
في هذه الآية الكريمة نصيحةٌ للمؤمنين وتعليم وتهذيب لهم أن يلزموا التقوى ، ويعملوا الصالحات ويقدّموا الخيرات والمالَ والجاه للمحتاجين ، حتى يجدوه أمامهم يوم القيامة . وقد كرر الله تعالى الحديث على التقوى لما لها من فوائد وعليها يبنى المجتمع الصالح .
{ واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . لا يخفى عليه صغيرة ولا كبيرة في هذا الكون الواسع .
{ ولتنظر نفسه ما قدمت لغد } : أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر .
وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال { يا أيها الذين آمنوا } أي صدقوا بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً اتقوا الله بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم لغدٍ أي يوم القيامة . واتقوا الله ، أعاد الأمر بالتقوى لأن التقوى هي ملاك الأمر ومفتاح دار السلام والسعادة ، وقوله تعالى : { إن الله خبير بما تعملون } يشجعهم على مراقبة الله تعالى والصبر عليها .
- وجوب التقوى بفعل الأوامر وترك النواهي .
- وجوب مراقبة الله تعالى والنظر يومياً فيما قدم الإِنسان للآخرة وما أخر .
الأولى- قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه . { ولتنظر نفس ما قدمت لغد } يعني يوم القيامة . والعرب تكني عن المستقبل بالغد . وقيل : ذكر الغد تنبيها على أن الساعة قريبة ، كما قال الشاعر :
وإن غدا للناظرين قَرِيبُ{[14869]}
وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلها كغد . ولا شك أن كل آت قريب ، والموت لا محالة آت . ومعنى { ما قدمت } يعني من خير أو شر . { واتقوا الله } أعاد هذا تكريرا ، كقولك : اعجل اعجل ، ارم ارم . وقيل التقوى الأولى التوبة فيما مضى من الذنوب ، والثانية اتقاء المعاصي في المستقبل . { إن الله خبير بما تعملون } قال سعيد بن جبير : أي بما يكون منكم . والله اعلم .
ولما أبلغ سبحانه في المواعظ في هذه السورة قولاً وفعلاً ، وكانت الإيقاعات المذكورة فيها مسببة عن الخيانات ممن كان له عهد فنقضه ، أو ممن كان أظهر الإيمان فأبان فعله كذبه ، قال سبحانه وتعالى استنتاجاً عن ذلك {[64119]}وعظاً للمؤمنين لأن الوعظ بعد المصائب أوقع في النفس وأعظم في ترقيق القلب وتحذيره مما يوجب العقوبة : { يا أيها الذين آمنوا } منادياً لهم نداء{[64120]} البعد معبراً بأدنى أسنان الإيمان لأنه عقب ذكر من أقر بلسانه فقط { اتقوا الله } أي اجعلوا لكم وقاية تقيكم سخط الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ولا بد{[64121]} أن يستعرض عبيده ، فاحذروا عقوبته بسب التقصير فيما حده لكم من أمر أو نهي { ولتنظر نفس } أي كل نفس تنظر إلى نفاستها وتريد العلو على أقرانها ، ولعله وحدها للإشارة مع إفادة التعميم إلى{[64122]} قلة الممتثل لهذا الأمر جداً { ما قدمت } أي من الزاد الذي يكون به صلاح المنزل الذي من لم يسع في إصلاحه لم يكن له راحة ، هل يرضي الملك ما قدمته فينجيها أو {[64123]}يغضبه فيرديها{[64124]} .
ولما كان الأجل مبهم الوقت ، فكان لقاء الله في كل يوم بل كل لحظة للعاقل مترقباً لكونه ممكناً مع كونه{[64125]} على الإطلاق محققاً{[64126]} لا يجهله أحد ، قال مشيراً بتنكيره وإبهامه إلى تهويله وإعظامه : { لغد } أي لأجل العرض بعد الموت أو في يوم القيامة الذي هو في غاية القرب لأن هذه الدنيا كلها يوم واحد يجيء فيه ناس ويذهب آخرون ، والموت أو الآخرة غده ، لا بد من{[64127]} كل منهما ، وكل ما لا بد منه فهو في غاية القرب لا سيما إن كان باقياً غير منقض ، وكل من نظر لغده أحسن مراعاة يومه ، وتنوينه{[64128]} للتعظيم من جهات لا تحصى{[64129]} .
ولما أمر بتقواه سبحانه خوفاً من سطواته أمر بتقواه لأجل مراقبته حياء من جلالته وهيبته تأكيداً للأمر لأن مدار النجاة على التقوى لأن مكايد الشيطان دقيقة ، فمن لم يبالغ في محاسبة نفسه وتفقد{[64130]} ما يمكن أن يكون من الخلل في أعماله أوشك أن يحبط الشيطان{[64131]} أعماله فقال تعالى : { واتقوا الله } أي الجامع لجميع صفات الكمال {[64132]}أي اتقوه{[64133]} حياء منه ، فالتقوى الأولى لإيجاد صور الأعمال ، وهذه لتصفيتها وتزكية أرواحها ، ولذلك علل بقوله مرغباً مرهباً : { إن الله } أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى{[64134]} { خبير } أي عظيم الاطلاع على ظواهركم وبواطنكم والإحاطة { بما تعملون * } فلا تعملون عملاً إلا كان بمرأى منه ومسمع فاستحيوا منه ، وكرر الاسم الأعظم كراهية أن {[64135]}يظن تقييد{[64136]} التقوى بحيثية من الحيثيات تعظيماً لهذا المقام إعلاماً بأن شؤونه لا تنحصر وأن إحاطته لا تخص مقاماً دون مقام ولا شأناً سوى{[64137]} شأن .