{ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير 17 ولقد كذّب الذين من قبلهم فكيف كان نكير 18 أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقبضن ما يمسكهنّ إلا الرحمان إنه بكل شيء بصير 19 }
من في السماء : هو ربكم الأعلى ، أو من في السماء عرشه .
يخسف بكم الأرض : يغيبكم فيها ، ومنه قوله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض . . . ( القصص : 81 ) .
تمور : تهتز وتضطرب ، وأصل المور : التردد في المجئ والذهاب .
16- أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور .
هذه الآيات تهديد ووعيد لكفار مكة الذين أنكروا الوحي والرسالة ، وفيها تهديد لك كفّار عنيد .
هل تأمنون بطش الله وعقوبته ، بأن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون فظل يهوى فيها ؟ وهو سبحانه في السماء عرشه ، أو ملكه وملكوته ، أو أمره وقضاؤه ، وبيده الخلق والأمر ، وهو القادر على أن يعذبكم من فوقكم ، أو من تحت أرجلكم .
ونحو الآية قوله تعالى : قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم . . . ( الأنعام : 65 ) .
{ 16 - 18 } { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }
هذا تهديد ووعيد ، لمن استمر في طغيانه وتعديه ، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة ، فقال : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } وهو الله تعالى ، العالي على خلقه .
{ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } بكم وتضطرب ، حتى تتلفكم وتهلككم{[1178]}
ثم خوف الكفار ، فقال { أأمنتم من في السماء } قال ابن عباس : أي : عذاب من في السماء إن عصيتموه ، { أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور } قال الحسن : تتحرك بأهلها . وقيل : تهوي بهم . والمعنى : أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل ، تعلو عليهم وتمر فوقهم . يقال : مار يمور ، أي : جاء وذهب .
ولما لم يكن بعد الاستعطاف إلا الإنذار على الخلاف ، قال مهدداً للمكذبين بعذاب دون عذاب جهنم ، منكراً عليهم الأمان ، بعد إقامة الدليل على أن بيده الملك ، وأنه قادر على ما يريد منه بأسباب جنوده {[66955]}وبغير سبب ، مقرراً{[66956]} بعد تقرير حاجة الإنسان وعجزه ، أنه لا حصن له و{[66957]}لا مانع له بوجه من عذاب الله ، فهو دائم الافتقار ملازم للصغار : { أأمنتم } أي أيها المكذبون ، وخاطبهم بما كانوا يعتقدون مع أنه{[66958]} إذا حمل على الرتبة وأول السماء بالعلو ، أو جعل كناية عن التصرف ، لأن العادة جرت غالباً أن من كان في شيء كان متصرفاً فيه ، صح من غير تأويل فقال : { من في السماء } أي على زعمكم ، العالية قاهرة لكم ، أو{[66959]} المعنى : من الملائكة الغلاظ الشداد الذين صرفهم في{[66960]} مصالح العباد{[66961]} ، أو المعنى : في غاية العلو رتبة ، أو أن ذلك إشارة إلى أن في السماء أعظم أمره ، لأنها ترفع إليها أعمال عباده ، وهي مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس والسلطان والكبرياء ، وجهة العرش ، ومعدن المطهرين والمقربين من الملائكة ، الذين أقامهم الله في تصريف أوامره ونواهيه ، والذي دعا إلى مثل هذا التأويل السائغ الماشي على لسان العرب قيام{[66962]} الدليل القطعي على أنه سبحانه ليس بمتحيز في جهة ، لأنه محيط فلا يحاط به ، لأن ذلك لا يكون إلا لمحتاج ؛ ثم أبدل من " من " بدل اشتمال فقال : { أن } .
ولما كانت قدرته على ما يريد بلا واسطة كقدرته بالواسطة ، وقدرته إذا كان الواسطة جمعاً كقدرته إذا كان واحداً ، لأن الفاعل على كل تقدير حقيقة هو لا غيره ، وحد بما يقتضيه لفظ " من " إشارة إلى هذا المعنى سواء أريد ب " من " هو سبحانه أو ملائكته أو واحد{[66963]} منهم فقال{[66964]} : { يخسف } أي أأمنتم خسفه ، ويجوز أن يراد ب " من " الله سبحانه وتعالى كما مضى خطاباً على زعمهم وظنهم أنه في السماء ، وإلزاماً لهم بأنه كما قدر على الإمطار والإنبات وغيرهما من التصرفات في الأرض ، فهو يقدر على غيره { بكم الأرض } كما خسف بقارون وغيره .
ولما كان الذي يخسف به من الأرض ، يصير كالساقط في الهواء ، وكان الساقط في الهواء{[66965]} يصير يضطرب{[66966]} ، سبب عن ذلك قوله : { فإذا هي } أي الأرض التي أنتم بها { تمور * } أي تضطرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه ، قال في القاموس : المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك .
قوله تعالى : { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير 17 ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير 18 أولم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمان إنه بكل شيء بصير } .
ذلك تخويف من الله للمكذبين الجاحدين ، إذ ينذرهم عقابه بخسفهم وتدميرهم . فقال سبحانه : { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } يعني أأمنتم عقوبة من في السماء وهو الله ، أو قدرته وسلطانه { أن يخسف بكم الأرض } من الخسف وهو الذهاب في الأرض . خسف الله به الأرض أي غاب به فيها{[4590]} { فإذا هي تمور } أي تذهب وتجيء من المور وهو الاضطراب .