بدخان مبين : واضح بين ، ويراد به الغيار المتصاعد بسبب الجدب .
10- { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } .
انتظر يا محمد وترقب نزول العذاب بأهل مكة ، جزاء كفرهم وعنادهم ، حتى يشاهدوا في السماء كهيئة الدخان ، من شدة الجدب والجوع والجفاف وقلة المطر .
أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن مسعود قال : إن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء ، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } .
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ، فاستسقى ، فسقوا ، فنزلت .
ومن المفسرين من رأى أن الآية تشير إلى دخان سيأتي قبيل القيامة ، وهو من علامات الساعة ، يصيب الكافرين والمنافقين بمشقة شديدة ، حتى يخرج الدخان من فتحات أفواههم وأنوفهم ، ولا يصيب المؤمن منه إلا كهيئة الزكام .
وعند التأمل نجد أنه يمكن الجمع بين الآثار والأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع ، بأن نقول إن الآية العاشرة من سورة الدخان ، وهي : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } . تشير إلى وعيد من الله لمشركي مكة ، بعذاب قادم فيه قحط وجوع وجدب ، حتى يشاهدوا في السماء كهيئة الدخان من شدة الجوع .
أما الآية السادسة عشرة من سورة الدخان ، وهي قوله تعالى : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } . فهي تشير إلى عذاب المشركين في غزوة بدر الكبرى ، أو إلى عذابهم بالنار يوم القيامة .
قوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين }
اختلفوا في هذا الدخان : أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، حدثنا منصور والأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : " بينما رجل يحدث في كندة ، فقال : يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام ، ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئاً فغضب فجلس ، فقال : من علم فليقل ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : لا أعلم ، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } ( ص-86 ) ، وإن قريشاً أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال :اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم ، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم ، فقرأ : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } إلى قوله : { إنكم عائدون } أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ؟ ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله : { يوم نبطش البطشة الكبرى } يعني يوم بدر و لزاماً يوم بدر ، { الم * غلبت الروم } إلى { سيغلبون } ( الروم 2-3 ) ، والروم قد مضى ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى عن وكيع عن الأعمش ، قال : قالوا : { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } فقيل له : إن كشفنا عنهم عادوا إلى كفرهم ، فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ، فذلك قوله : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } إلى قوله : { إنا منتقمون } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : " خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان . وقال قوم : هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد ، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار " ، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني ، حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثني عصام بن رواد بن الجراح ، حدثنا أبي ، أنبأنا أبو سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول الآيات الدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن أبين ، تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا ، قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا هذه الآية : { يوم تأتي السماء بدخان مبين } يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة ، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام ، وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره " .
ولما كان هذا موضع أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم المفهوم من{[57327]} السياق : فماذا صنع فيهم بعد هذا البيان{[57328]} ، الذي لم يدع لبساً لإنسان{[57329]} ؟ سبب عن ذلك قوله تسلية له وتهديداً لهم : { فارتقب } أي انتظر{[57330]} بكل جهد عالياً عليهم ناظراً لأحوالهم نظر من هو حارس لها ، متحفظاً من مثلها بهمة كهمة الأسد الأرقب ، والفعل متعد ولكنه قصر تهويلاً لذهاب الوهم في مفعوله كل مذهب ، ولعل المراد في الأصل ما يحصل من أسباب نصرك وموجبات خذلانهم { يوم تأتي السماء } أي فيما يخيل للعين لما يغشي البصر من شدة الجهد بالجوع إن كان المراد ما حصل [ لهم-{[57331]} ] من المجاعة الناشئة عن القحط الذي سببه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " وروي في الصحيح{[57332]} أن الرجل منهم كان يرى ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، وفي الواقع{[57333]} أن المراد عند قرب الساعة وعقب قيامها ، فإنه ورد أنه يأتي إذ ذاك فيغشي الناس ويحصل للمؤمن منه كهيئة الزكام ، ويجوز أن [ يكون-{[57334]} ] المراد أعم{[57335]} من ذلك كله وأوله{[57336]} وقت القحط [ وكان آية على ما بعده ، أو منه ما يأتي عند خروج الدخان من القحط-{[57337]} ] الذي يحصل قبله{[57338]} أو غيره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد : " إني قد خبأت لك خبأ{[57339]} فما هو ؟ " قال{[57340]} : الدخ ، ففسر بالدخان ، فلذلك قال تعالى : { بدخان مبين } أي واضح{[57341]} لا لبس{[57342]} فيه عند رائيه{[57343]} ومبين{[57344]} لما سواه من الآيات للفطن