تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

17

المفردات :

أحقابا : دهورا متتابعة لا نهاية لها .

التفسير :

23- لابثين فيها دهورا متتابعة ، كلما مضى منها حقب- أي آلاف السنين- تبعه حقب آخر إلى ما لا نهاية ، فلا يخرجون منها أبدا .

قال الحسن : الحقب : زمان غير محدود .

قال تعالى : والذين كفروا لهم نار جهن لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور . ( فاطر : 36 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

لابثين : مقيمين .

أحقابا : واحدها : حُقب وحِقب ، وهو المدة الطويلة من الدهر .

حيث يستقرّون دهوراً متلاحقة كلّما انقضى زمن تجدَّد لهم زمن آخر .

قراءات :

قرأ حمزة وروح : لَبِثينَ بكسر الباء من غير ألف بعد اللام ، وقرأ الباقون : لابثين بألف بعد اللام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

وجعلها مثوى لهم ومآبا ، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و { الحقب } على ما قاله كثير من المفسرين : ثمانون سنة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

قوله تعالى : " لابثين فيها أحقابا " أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، فكلما مضى حقب جاء حقب . والحقب بضمتين : الدهر والأحقاب الدهور . والحقبة بالكسر : السنة ، والجمع حقب ، قال متمم بن نويرة التميمي :

وكنَّا كنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً *** من الدَّهْرِ حتى قيلَ لنْ يَتَصَدَّعَا

فلما تفرقنا كأنِّي ومالكاً *** لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا

والحقب بالضم والسكون : ثمانون سنة . وقيل : أكثر من ذلك وأقل ، على ما يأتي ، والجمع : أحقاب . والمعنى في الآية ، [ لابثين ]{[15745]} فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها ، فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه ؛ إذ في الكلام ذكر الآخرة وهو كما يقال أيام الآخرة ، أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية ، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب . ونحوه وذكر الأحقاب لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم ، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها ، وهي كناية عن التأبيد ، أي يمكثون فيها أبدا . وقيل : ذكر الأحقاب دون الأيام ؛ لأن الأحقاب أهول في القلوب ، وأدل على الخلود . والمعنى متقارب ، وهذا الخلود في حق المشركين . ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب . وقيل : الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق ، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب ؛ ولهذا قال : " لابثين فيها أحقابا . لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا . إلا حميما وغساقا " . و " لابثين " اسم فاعل من لبث ، ويقويه أن المصدر منه اللبث بالإسكان ، كالشرب . وقرأ حمزة والكسائي " لبثين " بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، وهما لغتان ، يقال : رجل لابث ولبث ، مثل طمع وطامع ، وفره وفاره . ويقال : هو لبث بمكان كذا : أي قد صار اللبث شأنه ، فشبه بما هو خلقة في الإنسان نحو حذر وفرق ؛ لأن باب فعل إنما هو لما يكون خلقة في الشيء في الأغلب ، وليس كذلك اسم الفاعل من لابث .

والحقب : ثمانون سنة في قول ابن عمر وابن محيصن وأبي هريرة ، والسنة ثلثمائة يوم وستون يوما ، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا ، قاله ابن عباس . وروي ابن عمر هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة : والسنة ثلثمائة يوم وستون يوما كل يوم مثل أيام الدنيا . وعن ابن عمر أيضا : الحقب : أربعون سنة . السدي : سبعون سنة . وقيل : إنه ألف شهر . رواه أبو أمامة مرفوعا . بشير بن كعب : ثلاثمائة سنة . الحسن : الأحقاب لا يدري أحدكم هي ، ولكن ذكروا أنها مائة حقب ، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة ، اليوم منها كألف سنة مما تعدون . وعن أبي أمامة أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الحُقُب الواحد ثلاثون ألف سنة ) ذكره المهدوي . والأول الماوردي . وقال قطرب : هو الدهر الطويل غير المحدود .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يكون فيها أحقابا ، الحقب بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة مما تعدون ، فلا يتكلن أحدكم على أن يخرج من النار ) . ذكره الثعلبي . القُرظي : الأحقاب : ثلاثة وأربعون ، حقبا كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة .

قلت : هذه أقوال متعارضة ، والتحديد في الآية للخلود ، يحتاج إلى توقيف يقطع العذر ، وليس ذلك بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإنما المعنى - والله أعلم - ما ذكرناه أولا ، أي لابثين فيها أزمانا ودهورا ، كلما مضى زمن يعقبه زمن ، ودهر يعقبه دهر ، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع . وقال ابن كيسان : معنى " لابثين فيها أحقابا " لا غاية لها انتهاء ، فكأنه قال أبدا . وقال ابن زيد ومقاتل : إنها منسوخة بقوله تعالى : " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " يعني أن العدد قد انقطع ، والخلود قد حصل .

قلت : وهذا بعيد ؛ لأنه خبر ، وقد قال تعالى : " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " [ الأعراف : 40 ] على ما تقدم{[15746]} . هذا في حق الكفار ، فأما العصاة الموحدون فصحيح ويكون النسخ بمعنى التخصيص . والله أعلم . وقيل : المعنى " لابثين فيها أحقابا " أي في الأرض ؛ إذ قد تقدم ذكرها ويكون الضمير في " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " لجهنم . وقيل : واحد الأحقاب حقب وحقبة ، قال :

فإن تَنْأَ عنها حِقبةً لا تُلاَقِهَا *** فأنتَ بما أحدَثْتَهُ بالمُجَربِ

وقال الكميت{[15747]} :

مَرَّ لها بعد حِقْبَةٍ حِقَبُ


[15745]:[لابثين]: ساقط من أ، ز، ل، ط.
[15746]:راجع جـ 7 ص 206.
[15747]:صدر البيت: *ولا حمول غدت ولا دمن *
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

ولما{[71165]} ذكر مصيرهم إليها ذكر{[71166]} إقامتهم فيها فقال حالاً من ضمير " الطاغين " : { لابثين فيها } ولما كان جمع القلة يستعار للكثرة{[71167]} فكان الحقب يطلق على الزمان من غير حد ، ويطلق على زمان محدود ، فقيل على ثمانين سنة ، وعلى سبعين ألف سنة ، فكان السياق من تصدير السورة بالنبأ وبوصفه مع التعبير بالنبأ العظيم{[71168]} وما بعد ذلك يفهم أن المراد الدوام إن أريد ما لا حد له وأن المراد إن أريد المحدود جمع الكثرة ، وأكثر ما فسر به{[71169]} الحقب ، وأنه للمبالغة{[71170]} لا التحديد ، كان جمع القلة هنا غير مشكل ، فمن حمله على ما دون ذلك فكفاه زاجراً لم يضره التعبير به-{[71171]} ، ومن اجترأ عليه واستهان به كان فتنة له كما كان حصر عدد الخزنة للنار بتسعة عشر{[71172]} فلم يضر إلا نفسه ، فلذلك عبر عن ظرف اللبث بقوله{[71173]} : { أحقاباً * } أي دهوراً عظيمة متتابعة لا انقضاء لها على أن التعبير به - ولو حمل على الأقل وجعل منقضياً - لا ينافي ما صرح فيه بالخلود لأنه أثبت شيئاً ولم ينف ما فوقه ، وعن الحسن{[71174]} أنه قال-{[71175]} : لا يكاد يذكر الحقب إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها من غير انقضاء .


[71165]:من ظ و م، وفي الأصل: ثم.
[71166]:من ظ و م، وفي الأصل: ذاكر.
[71167]:من ظ و م، وفي الأصل: لكثرة.
[71168]:في م: بالعظيم.
[71169]:من ظ و م، وفي الأصل: فيه.
[71170]:من ظ و م، وفي الأصل: المبالغة.
[71171]:زيد من ظ و م.
[71172]:من ظ و م، وفي الأصل: تسعة عشر.
[71173]:زيد يف الأصل: فيها، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71174]:راجع المعالم 7/167.
[71175]:زيد من ظ.