المختال : المتكبر بسبب فضيلة تراءت له في نفسه .
فخور : كثير الفخر بالأشياء العارضة كالمال والجاه .
23- { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .
لقد أبدع الله القضاء والقدر ، وكتب على كل نفس عمرها وأجلها وحظها ، وفقرها أو غناها ، وشقاءها أو سعادتها ، حتى لا يحزن إنسان على مفقود حزنا يخرجه عن الاعتدال والتماسك ، لأن أجلها قد خُطّ في الأزل ، فإذا انتقلت نفس إلى الموت أو الهلاك فإنما تُحقق ما كتب عليها في الأزل .
{ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ . . . }
أي : لا تفرحوا فرحا مطغيا يخرجكم عن حدّ الاعتدال ، ويخرجكم عن الشكر لله صاحب النعمة ، إلى البطر والاختيال والتباهي بما حدث ، كأنه من صنع الإنسان .
ونلاحظ أن الحزن على المفقود فطرة إنسانية ، والفرح بالنعمة فطرة إنسانية ، فكيف ينهى الله عن الحزن على المفقود ، أو الفرح بالموجود ؟
والجواب : إنما نهى الله عن الحزن الذي يجرّ إلى الجزع والقنوط والهلع ، وينسي الإنسان القضاء والقدر ، وأن كل نفس قد كتب عليها ما يصيبها ، وهي لا تزال حملا في بطن أمّها ، وقد خُطّ في القدر كل شيء يصيبها ، وكذلك الفرح فطرة في النفس ، تحتاج إلى اليقين بأن الله هو المعطي والمتفضل والمانح لهذه النعمة ، لكن بعض الناس يختال ويفتخر ، ويتطاول على عباد الله بأنعم الله ، ويجره ذلك إلى الطغيان ويُلْهيه عن الشكر .
قال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يحزن أو يفرح ، ولكن اجعلوا الفرح شكرا ، والحزن صبرا .
ولا يصح النهي عن شيء من طبائع البشر ، كالفرح والحزن والغضب ، وإنما النهي وارد على مقدمات الغضب ، وتعاطي أسبابه ، وقد أمر الإنسان عند الغضب أن يتذكر هوان الدنيا ، وأن متاعها قليل ، وأنها إلى فناء حتى يهدأ غضبه ، وكذلك عند الحزن يتذكر القضاء والقدر ، وثواب الصبر على المصيبة ، وأجر الصابرين الراضين المؤمنين ، الذين يفوضون إلى الله الأمور ، وكذلك عند الفرح والسرور يذكر المؤمن فضل الله عليه ، فيزداد شكرا وعرفانا وتواضعا ، ويقينا بأن مصدر النعمة هو الله تعالى .
وفي الحديث الصحيح : " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " 23
فالمؤمن الحق هو نور الله في الأرض ، والمؤمن متجانس مع هذا الكون ، والمؤمن خليفة الله حقا في أرضه ، وهو قدر من أقدار الله ، وهو راض عن الله ، وهو شاكر على النعماء ، صابر على البأساء ، راض بالقضاء والقدر ، خيره وشره ، حلوه ومره .
وغير المؤمن تخرجه المصيبة عن اتزانه وتماسكه ، وربّما جره ذلك إلى المرض أو الانتحار أو الانكسار ، وغير المؤمن ينظر إلى النعمة على أنها من كدّه وعلمه وخصوصيته ، وربما نسي الشكر ، وربما نسي أن الفضل لله ، وهو صاحب الفضل الكبير .
وحيث علمتم أن كل ما يجري هو بعلم اله وقضائه وقدَره ، عليكم ألا تحزنوا على ما لم تحصَلوا عليه حزناً مفرطاً يجرّكم إلى السخط ، ولا تفرحوا فرحاً مبطِرا بما أعطاكم ، فاللهُ لا يحب كلّ متكبرٍ فخور على الناس بما عنده .
قال عكرمة : ليس أحدٌ إلا وهو يحزَن أو يفرح ، ولكنِ اجعلوا الفرحَ شُكرا والحزنَ صبراً . وما من إنسان إلا يحزن ويفرح ، ولكنّ الحزنَ المذمومَ هو ما يخرجُ بصاحبه إلى ما يُذهِبُ عنه الصبرَ والتسليم لأمرِ الله ورجاءِ الثواب ، والفرحَ المنهيَّ عنه هو الذي يطغى على صاحبه ويُلهيه عن الشكر .
قرأ أبو عمرو : بما أتاكم بغير مد . والباقون : بما آتاكم بمد الهمزة .
قوله تعالى : " لكيلا تأسوا على ما فاتكم " أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق ، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فرغ منه لم يأسوا على ما فاتهم منه . وعن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ) ثم قرأ " لكيلا تأسوا على ما فاتكم " إي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم " ولا تفرحوا بما آتاكم " أي من الدنيا ، قال ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : من العافية والخصب . وروى عكرمة عن ابن عباس : ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرا ، وغنيمته شكرا . والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز ، قال الله تعالى : " والله لا يحب كل مختال فخور{[14727]} " أي متكبر بما أوتي من الدنيا ، فخور به على الناس . وقراءة العامة " آتاكم " بمد الألف أي أعطاكم من الدنيا . واختاره أبو حاتم . وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو " أتاكم " بقصر الألف واختاره أبو عبيد . أي جاءكم ، وهو معادل ل " فاتكم " ولهذا لم يقل أفاتكم . قال جعفر بن محمد الصادق : يا ابن آدم ما لك تأسى على مفقود لا يرده عليك الفوت ، أو تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت . وقيل لبرزجمهر : أيها الحكيم ! مالك لا تحزن على ما فات ، ولا تفرح بما هو آت ؟ قال : لأن الفائت لا يتلافى بالعَبْرَة ، والآتي لا يستدام بالحَبْرَة . وقال الفضيل بن عياض في هذا المعنى : الدنيا مُبِيد ومُفِيد ، فما أباد فلا رجعة له ، وما أفاد آذن بالرحيل . وقيل : المختال الذي ينظر إلى نفسه بعين الافتخار ، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاحتقار ، وكلاهما شرك خفي . والفخور بمنزلة المصراة تشد أخلافها ليجتمع فيها اللبن ، فيتوهم المشتري أن ذلك معتاد وليس كذلك ، فكذلك الذي يرى من نفسه حالا وزينة وهو مع ذلك مدّع فهو الفخور .
{ لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور }
{ لكيلا } كي ناصبة للفعل بمعنى أن ، أي أخبر تعالى بذلك لئلا { تأسوا } تحزنوا { على ما فاتكم ولا تفرحوا } فرح بطر بل فرح شكر على النعمة { بما آتاكم } بالمد أعطاكم وبالقصر جاءكم منه { والله لا يحب كل مختال } متكبر بما أوتي { فخور } به على الناس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.