وضرب لنا مثلا : أورد في شأننا قصة عجيبة هي في غرابتها كالمثل ، إذا أنكر إحياءها للعظام النخرة .
الرميم : البالي أشد البلى كالرمّة والرفات .
78- { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم } .
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن أبيّ بن خلف ( الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ) جاء هذا الرجل في مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم ، وهو يفتته ويذرّيه في الهواء ويقول : يا محمد ، أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم يميتك الله تعالى ، ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار " ، ونزلت هذه الآية إلى آخر السورة .
إن الإنسان الكافر المسمى أبيّ بن خلف 36 قد استبعد البعث ، ونسي أن الله خلقه من مني يمنى وأنّه قادر على بعثه وحسابه ، فعمد إلى عظم رميم فتته وذرّاه في الريح ، وقال يا محمد : أتزعم أن ربك يبعث هذا بعدما رمّ وبلى وصار ترابا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم ، ويبعثك ويدخلك النار " ، والمثل يطلق على القصة العجيبة الغريبة ، والموضوع أشبه بالقصة ، أو الأمر العجيب بالنسبة للكفار ، حيث اعتقدوا أن الموت يترتب عليه وهن العظام ، واستبعاد الحياة ، فكان البعث أشبه بالشيء العجيب بالنسبة لهم .
انظر إلى قوله تعالى : { وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد . . . }[ السجدة : 10 ] .
وقوله أيضا على طريق الحكاية : { أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون* أو آباؤنا الأولون } . ]الواقعة : 47-48 ]
وقد ناقش القرآن الكريم هذا الموضوع ، وقدم أدلة متعددة على إمكان البعث والحشر والحساب ، والجزاء ، وبيّن أنّه بدون ذلك يصبح الخلق عبثا ، فالدنيا ليست دار جزاء ، فقد ينجح الفاجر والمرتشي والوصولي ، وقد يستشهد الشخص الفاضل الفدائي ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، فلا بدّ من دار جزاء عادل ، هي الدار الآخرة .
قال تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } . [ المؤمنون 115 ، 116 ] .
وقريب من ذلك قوله تعالى : { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } . [ البقرة : 259 ] .
إن بعض المشركين استبعد إعادة الحياة للأجساد وللعظام الرميم ، ونسوا أنفسهم ، وأنه تعالى خلقهم من العدم ، فكيف هم بعد هذا يستبعدون أو يجحدون .
الأولى- قوله تعالى : " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه " أي ونسي أنا أنشأناه من نطفة ميتة فركبنا فيه الحياة . أي جوابه من نفسه حاضر ؛ ولهذا قال عليه السلام : ( نعم ويبعثك الله ويدخلك النار ) ففي هذا دليل على صحة القياس ؛ لأن الله جل وعز احتج على منكري البعث بالنشأة الأولى . " قال من يحيى العظام وهي رميم " أي بالية . رم العظم فهو رميم ورمام . وإنما قال رميم ولم يقل رميمة ؛ لأنها معدولة عن فاعلة ، وما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن إعرابه ؛ كقول : " وما كانت أمك بغيا " [ مريم : 28 ] أسقط الهاء ؛ لأنها مصروفة عن باغية .
ولما كان التقدير : فبعد - مع أنا تفردنا بالإنعام عليه - عيرنا وخاصم - بما خلقناه له من اللسان وآتيناه من البيان - رسلنا وجميع أهل ودنا ، عطف عليه قوله مقبحاً إنكارهم البعث تقبيحاً لا يرى أعجب منه ، ولا أبلغ ولا أدل على التمادي ، في الضلال والإفراط في الجحود وعقوق الأيادي : { وضرب } أي هذا الإنسان ؛ وسبب النزول أبي بن خلف الجمحي الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد مبارزة ، فهو المراد بهذا التبكيت بالذات وبالقصد الأول { لنا } أي على ما يعلم من عظمتنا { مثلاً } أي آلهته التي عبدها لكونها لا تقدر على شيء مكابراً لعقله في أنه لا شيء يشبهنا { ونسي } أي هذا الذي تصدى على نهاية أصله لمخاصمة الجبار ، وأبرز صفحته لمجادلته ، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الذهول ، وأن بكون بمعنى الترك { خلقه } أي خلقنا لهذا المخاصم الدال على كمال قدرتنا ، وأن آلهته التي أشرك بها لا تقدر على شيء ، فافترق الحال الذي جمعه بالمثل أيّ افتراق ، وصارا مقولاً له : يا قليل الفطنة ! أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ أفلا تذكرون ؟ ثم استأنف الإخبار عن هذا المثل بالإخبار عن استحالته لأن يقدر أحد على إحياء الميت كما أن معبوداته لا تقدر على ذلك فقال : { قال } أي على سبيل الإنكار : { من يحيي } .
ولما كانت العظام أصلب شيء وأبعده عن قبول الحياة لا سيما إذا بليت وأرفتت قال : { العظام وهي } ولما أخبر عن المؤنث باسم لما بلي من العظام غير صفة ، لم يثبت تاء التأنيث فقال : { رميم * } أي صارت تراباً يمر مع الرياح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.