تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

1

{ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون }

المفردات :

من بين أيديهم : أمامهم .

فأغشيناهم : فغطينا أبصارهم وأعميناهم .

التفسير :

لقد عاشوا في ظلام النفس وظلام الكفر وظلام الإعراض عن الحق كأن سدا عظيما أمامهم يحجب رؤيتهم وكأن سدا عظيما خلفهم وغطينا أبصارهم فهم لا يقدرون على إبصار شيء أصلا لا من أمامهم ولا من خلفهم .

وقيل : إن الآيتين نزلتا في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمد صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالأولى أن تظل الآية عامة ، لتشمل كل معرض عن الحق ولا مانع أن يكون أبو جهل ضمن من اشتملت عليهم من المشركين الذين حق القول على أكثرهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

قوله تعالى : " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا " قال مقاتل : لما عاد أبو جهل إلى أصحابه ، ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وسقط الحجر من يده ، أخذ الحجر رجل آخر من بني مخزوم وقال : أقتله بهذا الحجر . فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم طمس الله على بصره فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فهذا معنى الآية . وقال محمد بن إسحاق في روايته : جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل وأمية بن خلف ، يرصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه ، فخرج عليهم عليه السلام وهو يقرأ [ يس ] وفي يده تراب فرماهم به وقرأ : " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا " فأطرقوا حتى مر عليهم عليه السلام . وقد مضى هذا في سورة [ سبحان ]{[13191]} ومضى في " الكهف " {[13192]} الكلام في " سدا " بضم السين وفتحها وهما لغتان ، " فأغشيناهم " أي غطينا أبصارهم ، وقد مضى في أول " البقرة " {[13193]} . وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة من العشاء في العين وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل قال :

متى تأتهِ تَعْشُو إلى ضوءِ نارِه{[13194]}

وقال تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن " [ الزخرف : 36 ] الآية . والمعنى متقارب ، والمعنى أعميناهم . كما قال :

ومن الحوادث لا أبا لكَ أنَّنِي *** ضُرِبَتْ عليَّ الأرضُ بالأَسْدَادِ

لا أهتدي فيها لموضع تَلْعَةً *** بين العُذَيْبِ وبين أرضِ مُرَادِ

" فهم لا يبصرون " أي الهدى . قاله قتادة . وقيل : محمدا حين ائتمروا على قتله . قاله السدي . وقال الضحاك : " وجعلنا من بين أيديهم سدا " أي الدنيا " ومن خلفهم سدا " أي الآخرة ، أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا . قال الله تعالى : " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " [ فصلت : 25 ] أي زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة . وقيل : على هذا " من بين أيديهم سدا " أي غرورا بالدنيا " ومن خلفهم سدا " أي تكذيبا بالآخرة . وقيل : " من بين أيديهم " الآخرة " ومن خلفهم " الدنيا .


[13191]:راجع ج 10 ص 269 طبعة أولى أو ثانية.
[13192]:راجع ج 11 ص 59 طبعة أولى أو ثانية.
[13193]:راجع ج 1 ص 191 طبعة ثانية أو ثالثة.
[13194]:هو الحطيئة، وتمام البيت: * تجد خير نار عندها خير موقد*
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (9)

ولما كان الرافع رأسه غير ممنوع من النظر أمامه قال : { وجعلنا } أي بعظمتنا . ولما كان المقصود حجبهم عن خير مخصوص ، وهو المؤدي إلى السعادة الكاملة لا عن كل ما ينفعهم ، أدخل الجار فقال : { من بين أيديهم } أي الوجه الذي يمكنهم علمه { سداً } . ولما كان الإنسان إذا انسدت عليه جهة مال إلى أخرى قال : { ومن خلفهم } أي الوجه الذي هو خفي عنهم ، وأعاد السد تأكيداً لإنكارهم ذلك وتحقيقاً لجعله فقال : { سداً } أي فصارت كل جهة يلتفت إليها منسدة ، فصاروا لذلك لا يمكنهم النظر إلى الحق ولا الخلوص إليه ، فلذلك قال : { فأغشيناهم } أي جعلنا على أبصارهم بما لنا من العظمة غشاوة { فهم } أي بسبب ذلك { لا يبصرون * } أي لا يتجدد لهم هذا الوصف من إبصار الحق وما ينفعهم ببصر ظاهر وبصيرة باطنة أصلاً .