تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ} (29)

11

المفردات :

عليها تسعة عشر : يتولى أمر النار ، ويلي تعذيب أهلها تسعة عشر ملكا ، أو صفّا ، أو صنفا .

التفسير :

26 ، 27 ، 28 ، 29 ، 30- سأصليه سقر* وما أدراك ما سقر* لا تبقي ولا تذر* لوّاحة للبشر* عليها تسعة عشر .

أي : سأدخله جهنم ، وسأغمره فيها من جميع جهاته .

وسقر من أسماء النار ، وإنما سميت جهنم سقر من : سقرته الشمس ، إذا أذابته ولوّحته ، وأحرقت جلد وجهه .

وما أدراك ما سقر .

أي شيء أعلمك ما سقر ، والمراد : تعظيم هولها وآلامها ، ومما يصيب الكافرين من ألوان عذابها .

لا تبقي ولا تذر .

لا تترك في الكافرين عظما ولا لحما ، ولا دما ولا شيئا إلا أهلكته ، فهي تبلع بلعا ، وتمحو محوا ، ولا يقف لها شيء ، ولا يبقى وراءها شيء ، ولا يفضل منها شيء ، ثم يعاد أهلها خلقا جديدا ، فلا تتركهم بل تعاود إحراقهم بأشد مما كانت .

قال تعالى : كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب . . . ( النساء : 56 ) .

وتبرز جهنم لأهلها لترهبهم بعذابها ، قال تعالى : وبرّزت الجحيم للغاوين . ( الشعراء : 91 ) .

لوّاحة للبشر .

تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود من الليل ، وتنزل الآلام بالجلود ، ويبدّل الله الجلود ليذوق أهلها العذاب .

عليها تسعة عشر .

يحرس جهنم زبانية أشداء أقوياء ، عددهم تسعة عشر ملكا ، أو صفّا أو صنفا ، والجمهور على أن المراد بهم النقباء ، فمعنى كونهم عليها : أنهم يتلون أمرها وتعذيب أهلها ، وإليهم رئاسة زبانيتها ، وأما جملتهم فالعبادة تعجز عنها ، كما قال تعالى : وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر . ( المدثر : 31 ) .

وفي الصحيح عن عبد اله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرّونها )iv .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ} (29)

" لواحة للبشر " أي مغيرة من لاحه إذا غيره . وقراءة العامة " لواحة " بالرفع نعت ل " سقر " في قوله تعالى : " وما أدراك ما سقر " . وقرأ عطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر " لواحة " بالنصب على الاختصاص ، للتهويل . وقال أبو رزين : تلفح وجوههم لفحة تدعها أشد سوادا من الليل ، وقاله مجاهد . والعرب تقول : لاحه البرد والحر والسقم والحزن : إذا غيره ، ومنه قول الشاعر :

تقولُ ما لاَحَكَ يا مسافرُ *** يا ابنةَ عمي لاحَنِي الهواجِرُ{[15583]}

وقال آخر :

وتعجبُ هند أنْ رأتني شَاحِبًا *** تقول لشيء لَوَّحَتْهُ السَّمَائِمُ{[15584]}

وقال رؤبة بن العجاج :

لوَّحَ منه بعدَ بُدْنٍ وسَنَقْ *** تلويحَكَ الضَّامِرَ يُطْوَى للسَّبَقْ{[15585]}

وقيل : إن اللوح شدة العطش . يقال : لاحه العطش ولوحه أي غيره . والمعنى أنها معطشة للبشر أي لأهلها ، قاله الأخفش ، وأنشد :

سقتني على لوحٍ من الماءِ شَرْبَةً *** سقاها بها الله الرِّهَامَ الغَوَادِيَا

يعني باللوح شدة العطش ، والتاح أي عطش ، والرهام جمع رهمة بالكسر ، وهي المطرة الضعيفة ، وأرهمت السحابة أتت بالرهام . وقال ابن عباس : " لواحة " أي تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام . الحسن وابن كيسان : تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا . نظيره : " وبرزت الجحيم للغاوين " [ الشعراء : 91 ] وفي البشر وجهان : أحدهما : أنه الإنس من أهل النار ، قاله الأخفش والأكثرون . الثاني : أنه جمع بشرة ، وهي جلدة الإنسان الظاهرة ، قال مجاهد وقتادة ، وجمع البشر أبشار ، وهذا على التفسير الأول ، وأما على تفسير ابن عباس فلا يستقيم فيه إلا الناس لا الجلود ؛ لأنه من لاح الشيء يلوح ، إذا لمع .


[15583]:الهواجر: جمع هاجرة، وهي شدة الحر عند منتصف النهار.
[15584]:السمائم: جمع سموم وهي الريح الحارة.
[15585]:لوحة السفر غيره وأضمره. والبدن: السمن واكتناز اللحم. والسبق: الشبع حتى يكون كالتخمة. الضامر: الفرس. يطوى: يجوع لأجل السباق.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ} (29)

ولما كان تغير حال الإنسان إلى دون ما هو عليه غائظاً له موجعاً إذا{[69841]} كان ذلك تغير لونه لأن الظاهر عنوان الباطن ، قال الله تعالى دالاً على شدة فعلها في ذلك : { لواحة } أي شديدة التغيير بالسواد والزرقة واللمع والاضطراب والتعطيش ونحوها{[69842]} من الإفساد من شدة حرها ، تقول العرب : لاحت النار الشيء - إذا أحرقته وسودته { للبشر * } أي للناس أو لجلودهم ، جمع بشرة وجمع البشر أبشار


[69841]:من ظ و م، وفي الأصل: إن.
[69842]:زيد من ظ، والعبارة في م مطموسة.