قوله تعالى : { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } ، قرأ العامة : بالرفع ، خبر مبتدأ مضمر ، أي هي لواحة ، وهذه مقوية للاستئناف في " لا تُبقِي " .
وقرأ الحسن ، وابن أبي عبلة وزيد بن{[58530]} علي وعطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر : بنصبهما على الحال ، وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها حال من " سَقرُ " ، والعامل معنى التعظيم كما تقدم .
والثاني : أنها حال من " لا تُبْقِي " .
وجعل الزمخشري : نصبها على الاختصاص للتهويل .
قال : " لأن النار التي لا تبقي ولا تذر ، لا تكون إلاَّ مُغيرة للأبشار " .
و " لوَّاحةٌ " هنا مبالغة ، وفيها معنيان :
أحدهما : من لاح يلوح ، أي : ظهر ، أي : أنها تظهر للبشر ، [ وهم الناس ، وإليه ذهب الحسن وابن كيسان ، فقال : " لوَّاحةٌ " أي : تلوح للبشر ]{[58531]} من مسيرة خمسمائة عام ، وقال الحسن : تلوح لهم جهنم حتى يرونها عياناً ، ونظيره :{ وَبُرِّزَتِ الجحيم لِمَن يرى } [ النازعات : 36 ] .
والثاني : وإليه ذهب جمهور الناس ، أنها من لوّحه أي : غيَّرهُ ، وسوَّدهُ .
4965 - تقُولُ : ما لاحَكَ يا مُسَافِرُ*** يَا بْنَةَ عَمِّي لاحَنِي الهَواجِرُ{[58532]}
وقال رؤبة بن العجَّاج : [ الرجز ]
4966 - لُوِّحَ مِنْهُ بَعْدَ بُدْنٍ وسَنَقْ*** تَلْويحكَ الضَّامرَ يُطْوى للسَّبَقْ{[58533]}
4967 - وتَعْجَبُ هِنْدٌ إنْ رأتْنِي شَاحِباً*** تقُولُ لشَيءٍ لوَّحتهُ السَّمائمُ{[58534]}
ويقال : لاحَهُ يلُوحُه : إذا غير حليته .
قال أبو رزين : تلفح وجوههم لفحة تدعهم أشد سواداً من الليل ، قال تعالى : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 104 ] .
وطعن القائلون بالأول في هذا القول ، فقالوا : لا يجوز أن يصفهم بتسويد الوجوهِ ، مع قوله : { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } .
وقيل : اللوح شدة العطش ، يقال : لاحه العطش ولوحه : أي غيره ، قال الأخفش : والمعنى أنها معطشة للبشر ، أي : لأهلها ؛ وأنشد : [ الطويل ]
4968 - سَقَتْنِي على لَوْحِ من المَاءِ شَرْبةً*** سَقَاهَا بِه اللَّهُ الرِّهامَ الغَوادِيَا{[58535]}
يعني باللوح : شدة العطش . والرهام جمع رهمة - بالكسر - وهي المطرة الضعيفة وأرهمت السحابة : أتت بالرهام .
واللُّوح - بالضم - الهواء بين السماء والأرض ، والبشر : إما جمع بشرة ، أي : مغيرة للجلود . قاله مجاهد وقتادة ، وجمع البشر : أبشار ، وإما المراد به الإنس من أهل النار ، وهو قول الجمهور .
واللام في «البشر » : مقوية ، كهي في { لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف : 43 ] .
وقراءة النصب في «لوَّاحَةً » مقوية ، لكون «لا تُبْقِي » في محل الحال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.