تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

المفردات :

ولو ألقى معاذيره : ولو جاء بكل عذر لم ينفعه .

التفسير :

15- ولو ألقى معاذيره .

أي : الإنسان شهيد على نفسه ، عالم بما فعله ، فهو حجة بينة على أعماله ، ولو اعتذر أو أنكر لما قبل منه .

وقال ابن عباس وغيره : إن المراد سمعه وبصره ، ويداه ورجلاه وجوارحه ، وكلها تشهد عليه بالحق .

ولو ألقى معاذيره . ولو اعتذر بباطل لا يقبل منه .

وقال مجاهد : معاذيره حجته .

قال ابن كثير : والصحيح قول مجاهد وأصحابه .

كقوله تعالى : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين . ( الأنعام : 23 ) .

وكقوله تعالى : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له ، كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون . ( المجادلة : 18 ) .

فإذا حاول الإنسان الإنكار شهدت عليه جوارحه ، ويقال له : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا . ( الإسراء : 14 ) .

أي : لا مجال للإنكار في ذلك اليوم ، لأنه اليوم الحق ، وهناك الحفظة والكرام الكاتبون ، لأنه يوم يحق فيه الحق ، ويمحق الباطل .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

المسألة الرابعة- قوله تعالى : " ولو ألقى معاذيره " ومعناه لو اعتذر بعد الإقرار لم يقبل منه . وقد اختلف العلماء فيمن رجع بعد ما أقر في الحدود التي هي خالص حق الله ، فقال أكثرهم منهم الشافعي وأبو حنيفة : يقبل رجوعه بعد الإقرار . وقال به مالك في أحد قوليه ، وقال في القول الآخر : لا يقبل إلا أن يذكر لرجوعه وجها صحيحا .

والصحيح جواز الرجوع مطلقا ؛ لما روى الأئمة منهم البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رد المقر بالزنى مرارا أربعا كل مرة يعرض عنه ، ولما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( أبك جنون ) قال : لا . قال : ( أحصنت ) قال : نعم . وفي حديث البخاري : ( لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ) . وفي النسائي وأبي داود : حتى قال له في الخامسة ( أجامعتها{[15624]} ) قال : نعم . قال : ( حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ) قال : نعم . قال : ( كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ) . قال : نعم . ثم قال : ( هل تدري ما الزنى ) قال : نعم ، أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا . قال : ( فما تريد مني ) ؟ قال : أريد أن تطهرني . قال : فأمر به فرجم . قال الترمذي وأبو داود : فلما وجد مس الحجارة فر يشتد{[15625]} ، فضربه رجل بلحى جمل ، وضربه الناس حتى مات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هلا تركتموه ) وقال أبو داود والنسائي : ليثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما لترك حد فلا . وهذا كله طريق للرجوع وتصريح بقبوله . وفي قوله عليه السلام : ( لعلك قبلت أو غمزت ) إشارة إلى قول مالك : إنه يقبل رجوعه إذا ذكر وجها .

الخامسة- وهذا في الحر المالك لأمر نفسه ، فأما العبد فإن إقراره لا يخلو من أحد قسمين : إما أن يقر على بدنه ، أو على ما في يده وذمته ، فإن أقر على ما في بدنه فيما فيه عقوبة من القتل فما دونه نفذ ذلك عليه . وقال محمد بن الحسن : لا يقبل ذلك منه ؛ لأن بدنه مستغرق لحق السيد ، وفي إقراره إتلاف حقوق السيد في بدنه ؛ ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإن من يبدلنا صفحته نقم عليه الحد ) . المعنى : أن محل العقوبة أصل الخلقة ، وهي ( الدمية{[15626]} ) في الآدمية ، ولا حق للسيد فيها ، وإنما حقه في الوصف والتبع ، وهي المالية الطارئة عليه ، ألا ترى أنه لو أقر بمال لم يقبل ، حتى قال أبو حنيفة : إنه لو قال سرقت هذه السلعة أنه لم تقطع يده ويأخذها المقر له . وقال علماؤنا : السلعة للسيد ويتبع العبد بقيمتها إذا عتق ؛ لأن مال العبد للسيد إجماعا ، فلا يقبل قوله فيه ولا إقراره عليه ، لا سيما وأبو حنيفة يقول : إن العبد لا ملك له ولا يصح أن يملك ولا يملك ، ونحن وإن قلنا إنه يصح تملكه . ولكن جميع ما في يده لسيده بإجماع على القولين . والله أعلم .


[15624]:اللفظ في رواية لأبي داود.
[15625]:يشتد: يعدو.
[15626]:التصحيح من ابن العربي. وفي الأصول "الذمة".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

ولما كان الإنسان يعتذر في ذلك اليوم عن كل سوء عمله ، ويجادل أعظم مجادلة ، وكان المجادل في الغالب يظن-{[70183]} أنه لم يذنب أو لا يعلم له ذنباً ، قال : { ولو ألقى } أي ذكر بغاية السرعة ذلك الإنسان من غير تلعثم دلالة{[70184]} على غاية الصدق والاهتمام والتملق { معاذيره * } أي كل كلام يمكن أن يخلص به ، جمع عذر أو معذرة وهو إيساع الحيلة في دفع الخلل{[70185]} : وقال في القاموس : المعاذير : الستور والحجج جمع معذار{[70186]} ، وذلك لاشتراكهما في مطلق الستر بالفتح والستر بالكسر في ستر{[70187]} المذنب والحجة في ستر{[70188]} الذنب فالمعنى أنه حجة على نفسه ولو احتج عنها واجتهد في ستر عيوبها ، فلا تقبل منها الأعذار ، لأنه قد أعطى البصيرة فأعماها بهوى النفس وشهواتها ، وتلك البصيرة هي نور {[70189]}المعرفة المركوز{[70190]} في الفطرة الأولى وهي كقوله تعالى : { لا ينفع الظالمين معذرتهم } .


[70183]:زيد من ظ و م.
[70184]:من ظ و م، وفي الأصل: دالا.
[70185]:من ظ و م، وفي الأصل: الحال.
[70186]:من ظ و م والقاموس، وفي الأصل: معذر.
[70187]:من ظ و م، وفي الأصل: تلك.
[70188]:من ظ و م، و وفي الأصل: نفسه.
[70189]:من ظ و م، وفي الأصل: المعرة المذكورة.
[70190]:من ظ و م، وفي الأصل: المعرة المذكورة.