تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ} (12)

1

تعيها : تحفظها أذن من شأنها أن تحفظ ما سمعته .

لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية .

جعلنا الطوفان الذي أصاب المنطقة كلها بالغرق ، وأغرق جميع الكافرين المكذبين ، وجعلنا السفينة التي تجري على سطح الماء وتسير فوق أمواج كالجبال ، تحركها مشيئة الله ، وتوقفها إرادته في تكريم المؤمنين ، جعلها ذلك تذكرة لكل مؤمن ، بل لكل من يتأتّى منه التذكر والنظر ، ولتحرص على عبرتها وتعيها أذن تعي الكلام ، وتحفظه وتستفيد منه .

قال تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا . ( الإسراء : 36 ) .

من تفسير ابن كثير

روى ابن أبي حاتم ، عن علي بن أبي طالب قال : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك ، فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزّان ، فطغى الماء على الخزّان ، فخرج ، فذلك قوله تعالى : إنا لما طغا الماء . . . أي : زاد على الحدّ بإذن الله . حملناكم في الجارية . ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك ، إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزّان ، فخرجت ، فذلك قوله تعالى : بريح صرصر عاتية .

ولهذا قال تعالى ممتنا على الناس : حملناكم في الجارية . وهي السفينة الجارية على وجه الماء .

لنجعلها لكم تذكرة . . .

أي : وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحارiv .

كما قال : وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون . ( الزخرف : 12 ) .

وقال تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون* وخلقنا لهم من مثله ما يركبون . ( يس : 41 ، 42 ) .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ} (12)

قوله تعالى : " لنجعلها لكم تذكرة " يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام . جعلها الله تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم ، في قول قتادة . قال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي . والمعنى : أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح ، وإنجاء الله آباءكم ، وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شيء . وقيل : لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم ؛ ولهذا قال الله تعالى : " وتعيها أذن واعية " أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله . والسفينة لا توصف بهذا . قال الزجاج : ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي ، أعيه وعيا . ووعيت العلم ، ووعيت ما قلت ، كله بمعنى . وأوعيت المتاع في الوعاء . قال الزجاج : يقال لكل ما حفظته في غير نفسك : " أوعيته " بالألف ، ولما حفظته في نفسك " وعيته " بغير ألف . وقرأ طلحة وحميد والأعرج " وتعيها " بإسكان العين ، تشبيها بقول : " أرنا{[15302]} " [ البقرة : 128 ] . واختلف فيها عن عاصم وابن كثير . الباقون بكسر العين ، ونظير قوله تعالى : " وتعيها أذن واعية " ، " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب{[15303]} " [ ق : 37 ] . وقال قتادة : الأذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى ، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل . وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية : ( سألت ربي أن يجعلها أذن علي ) . قال مكحول : فكان علي رضي الله عنه يقول ما سمعت من رسول صلي الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته إلا وحفظته . ذكره الماوردي . وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي قال : لما نزلت " وتعيها أذن واعية " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي ) قال علي : فوالله ما نسيت شيئا بعد ، وما كان لي أن أنسى . وقال أبو برزة الأسلمي قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : ( يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحقٌّ على الله أن تَعِيَ ) .


[15302]:في قوله تعالى: "وأرنا مناسكا" راجع جـ 2 ص 127.
[15303]:راجع جـ 17 ص 23.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ} (12)

{ لنجعلها لكم تذكرة } الضمير للفعلة وهي الحمل في السفينة وقيل : للسفينة ، فإن أراد جنس السفن : فالمعنى : أنها تذكرة بقدرة الله ونعمته لمن ركب أو سمع بها وإن أراد سفينة نوح فقد قيل : إن الله أبقاها حتى رأى بعض عيدانها أول هذه الأمة .

{ وتعيها أذن واعية } الضمير يعود على ما عاد عليه ضمير { لنجعلها } ، وهذا يقوي أن يكون للفعلة ، والأذن الواعية هي التي تفهم ما تسمع وتحفظه ، يقال : وعيت العلم إذا حصلته ، ولذلك عبر بعضهم عنها بأنها التي عقلت عن الله ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب : " إني دعوت الله أن يجعلها أذنك يا علي ، قال علي فما نسيت بعد ذلك شيئا سمعته " ، قال الزمخشري : إنما قال أذن واعية بالتوحيد والتنكير للدلالة على قلة الوعاة ولتوبيخ الناس بقلة من بقي منهم ، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا عقلت عن الله تعالى فهي المعتبرة عند الله دون غيرها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ} (12)

ولما بدأ سبحانه وتعالى بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشرفة لأن التخويف بالأقرب أقعد ، وختم بقوم نوح عليه السلام لأنهم كانوا جميع أهل الأرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم ، علل اختيار إنجائهم بالسفينة دون غيرها فقال : { لنجعلها } أي هذه الفعلات العظيمة من إنجاء المؤمنين بحيث لا يهلك منهم بذلك العذاب أحد وإهلاك الكافرين بحيث لا يشذ منهم أحد ، وكذا السفينة التي حملنا فيها نوحاً عليه السلام ومن معه بإبقائها{[67950]} آية من آياته وأعجوبة من بدائع بيناته وغريبة في الدهر من أعجوباته { لكم } أي{[67951]} أيها الأناسي { تذكرة } أي سبباً عظيماً لذكر{[67952]} أول إنشائه والموعظة به لتستدلوا بذلك على كمال قدرته تعالى وتمام علمه وعظمة رحمته وقهره ، فيقودكم{[67953]} ذلك إليه وتقبلوا{[67954]} بقلوبكم عليه { وتعيها } أي ولتحفظ قصة السفينة وغيرها مما تقدم ، حفظاً ثابتاً مستقراً كأنه محوى في وعاء .

ولما كان المنتفع بما يسمع الحافظ له قليلاً جداً ، دل على ذلك يتوحيد الأذن فقال موحداً منكراً {[67955]}مع الدلالة{[67956]} على تعظيمها : { أذن } أي عظيمة{[67957]} النفع { واعية * } أي من شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال الإلهية والأسرار الربانية لنفع عباد الله كما كان نوح عليه السلام ومن معه وهم قليل سبباً{[67958]} لإدامة النسل والبركة فيه حتى امتلأت منه الأرض . والوعي : الحفظ في النفس ، والإيعاء : الحفظ في الوعاء ، وفي ذلك توبيخ للناس بقلة الواعي منهم ، ودلالة على أن الأذن الواحدة إذا غفلت عن الله تعالى فهي السواد الأعظم ، وما سواها لا يبالي بهم الله بالة - قاله الأصبهاني والزمخشري وغيرهما .


[67950]:- من ظ وم، وفي الأصل: بإبقائه.
[67951]:- سقط من ظ وم.
[67952]:- من ظ وم، وفي الأصل: لتذكره.
[67953]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيقول لكم.
[67954]:- زيد في الأصل: كلكم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67955]:- من ظ وم، وفي الأصل: للدلالة.
[67956]:- من ظ وم، وفي الأصل: للدلالة.
[67957]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67958]:- من ظ وم، وفي الأصل: مسببا.