تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

16

المفردات :

ناضرة : متهللة بشرا بما ترى من النعيم .

ناظرة : أي تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب .

التفسير :

22 ، 23- وجوه يومئد ناضرة* إلى ربها ناظرة .

وجوه يومئذ . أي في الآخرة والقيامة . ناضرة . مستبشرة ناعمة ، فرحة راضية .

قال تعالى : تعرف في وجوههم نضرة النعيم* يسقون من رحيق مختوم* ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . ( المطففين : 24- 26 ) .

إلى ربها ناظرة .

وهذه الوجوه الناضرة تنال النعيم والقربى ، والسعادة والسرور بنظرها إلى ربها ، ويكون ذلك أسعد شيء لأهل الجنة .

قال تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . . . ( يونس : 26 ) .

فالحسنى هي الجنة ، والزيادة هي تفضّل الله عليهم بالرضا فلا يسخط عليهم أبدا ، وبرؤية ربهم سبحانه وتعالى ، رؤية منزهة عن الكم والكيف ، والطول والعرض ، فنحن في الدنيا عيوننا فانية والله باق ، والفاني لا يرى الباقي ، فإذا كان يوم القيامة منحنا الله أبصارا باقية .

وقد طلب موسى رؤية الله في الدنيا ، فلم يجب إلى ذلكiii . أما في الآخرة فإن الثابت عند أهل السنة والجماعة أن أهل الدرجات العالية في الجنة يرون ربهم ، رؤية نؤمن بها ونفوّض حقيقة المراد منها إلى الله تعالى .

وفي منظومة الجوهرة ، وهي منظومة فنية في علم التوحيد :

ومنه أن يدرك بالأبصار *** لكن بلا كيف ولا انحصار

أي : من عقيدة أهل السنة والجماعة أن السعداء في الجنة يرون ربهم ، بدون تحديد بصفة أو جهة أو مسافة ، وهذه الرؤية هي أعلى نعيم ، وأسمى غاية لأهل الفضل والدرجات العلى في الجنة .

وقد ثبتت هذه الرؤية في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها ، وقد أورد الحافظ ابن كثير طائفة من الأحاديث الصحيحة في تأييد رؤية المؤمنين لربهم في الدار الآخرة ، نسوق منها ما يأتي :

في الصحيحين ، عن جرير قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر البدر ، فقال : ( إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة ما قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا )iv .

وفي الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن )v .

وفي صحيح مسلم ، عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة –قال- يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا النار ، قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة ) ، ثم تلا هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . . . ( يونس : 26 ) . vi .

ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرضات وفي روضات الجنات .

وروى الإمام أحمد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر إلى أزواجه وخدمه ، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله كل يوم مرتين )vii .

قال الحسن : وجوه يومئذ ناضرة . قال : حسنة . إلى ربها ناظرة . قال : تنظر إلى الخالق ، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالقviii .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

" إلى ربها " إلى خالقها ومالكها " ناظرة " من النظر أي تنظر إلى ربها ، على هذا جمهور العلماء . وفي الباب حديث صهيب خرجه مسلم وقد مضى في " يونس " عند قوله تعالى : " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة{[15630]} " [ يونس : 26 ] . وكان ابن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ؛ ثم تلا هذه الآية : " وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة " وروى يزيد النحوي عن عكرمة قال : تنظر إلى ربها نظرا . وكان الحسن يقول : نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم .

وقيل : إن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب . وروي عن ابن عمر ومجاهد . وقال عكرمة : تنتظر أمر ربها . حكاه الماوردي عن ابن عمر وعكرمة أيضا . وليس معروفا إلا عن مجاهد وحده . واحتجوا بقوله تعالى : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " [ الأنعام : 103 ] وهذا القول ضعيف جدا ، خارج عن مقتضى ظاهر الآية والأخبار . وفي الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " قال هذا حديث غريب . وقد روى عن ابن عمرو ولم يرفعه . وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جل وعز إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) . وروى جرير بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا ، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : ( إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) . ثم قرأ " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " متفق عليه . وخرجه أيضا أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح . وخرج أبو داود عن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه ؟ قال ابن معاذ : مخليا به يوم القيامة ؟ قال : ( نعم يا أبا رزين ) قال : وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : ( يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ) قال ابن معاذ : ليلة البدر مخليا به . قلنا : بلى . قال : ( فالله أعظم ) ( قال ابن معاذ قال{[15631]} ) : ( فإنما هو خلق من خلق الله - يعني القمر - فالله أجل وأعظم ) . وفي كتاب النسائي عن صهيب قال : ( فيكشف الحجاب فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر ، ولا أقر لأعينهم ) وفي التفسير لأبي إسحاق الثعلبي عن الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يتجلى ربنا عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه ، فيخرون له سجدا ، فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة ]

قال الثعلبي : وقول مجاهد إنها بمعنى تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه ، فتأويل مدخول ؛ لأن العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا نظرته ، كما قال تعالى : " هل ينظرون إلا الساعة " [ الزخرف : 66 ] ، " هل ينظرون إلا تأويله " [ الأعراف : 53 ] ، و " ما ينظرون إلا صيحة واحدة " [ يس : 49 ] وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا : نظرت فيه ، فأما إذا كان النظر مقرونا بذكر إلى ، وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان . وقال الأزهري : إن قول مجاهد تنتظر ثواب ربها خطأ ؛ لأنه لا يقال نظر إلى كذا بمعنى الانتظار ، وإن قول القائل : نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين ، كذلك تقوله العرب ؛ لأنهم يقولون نظرت إليه : إذا أرادوا نظر العين ، فإذا أرادوا الانتظار قالوا نظرته ؛ قال :

فإنكما إن تَنْظُرانِي ساعةً *** من الدهر تنفعْنِي لدَى أمِّ جُنْدُبِ

لما أراد الانتظار قال تنظراني ، ولم يقل تنظران إلي ، وإذا أرادوا نظر العين قالوا : نظرت إليه ، قال :

نظرت إليها والنُّجُومُ كأنها *** مصابيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لقُفَّال{[15632]}

وقال آخر :

نظرت إليها بالمُحَصَّبِ من مِنًى *** ولي نَظَرٌ{[15633]} لولا التَّحَرُّجُ عَارِمُ

وقال آخر :

إني إليك لِمَا وَعَدتَ لناظرٍ *** نظرَ الفقيرِ إلى الغنيِّ المُوسرِ

أي إني أنظر إليك بذل ؛ لأن نظر الذل والخضوع أرق لقلب المسؤول ، فأما ما استدلوا به من قوله تعالى : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " [ الأنعام : 103 ] فإنما ذلك في الدنيا . وقد مضى القول{[15634]} فيه في موضعه مستوفى . وقال عطية العوفي : ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، ونظره يحيط بها ؛ يدل عليه : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " [ الأنعام : 103 ] قال القشيري أبو نصر : وقيل : " إلى " واحد الآلاء : أي نعمه منتظرة ، وهذا أيضا باطل ؛ لأن واحد الآلاء يكتب بالألف لا بالياء ، ثم الآلاء : نعمه الدفع{[15635]} ، وهم في الجنة لا ينتظرون دفع نقمه عنهم ، والمنتظر للشيء متنغص العيش ، فلا يوصف أهل الجنة بذلك . وقيل : أضاف النظر إلى الوجه ؛ وهو كقوله تعالى : " تجري من تحتها الأنهار " [ المائدة : 119 ] والماء يجري في النهر لا النهر . ثم قد يذكر الوجه بمعنى العين ؛ قال الله تعالى : " فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا " [ يوسف : 93 ] أي على عينيه . ثم لا يبعد قلب العادة غدا ، حتى يخلق الرؤية والنظر في الوجه ، وهو كقوله تعالى : " أفمن يمشي مكبا على وجهه " [ الملك : 22 ] ، فقيل : يا رسول الله ! كيف يمشون في النار على وجوههم ؟ قال : ( الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ) .


[15630]:راجع جـ 8 ص 330.
[15631]:الزيادة من مسند أبي داود.
[15632]:تشب: توقد. والقفال جمع قافل وهو الراجع من السفر. البيت من قصيدة لامرئ القيس.
[15633]:في نسخ الأصل نظرة، والصواب ما ذكرنا كما في ديوان قائله، وهو عمر بن ربيعة.
[15634]:راجع جـ 7 ص 54.
[15635]:هكذا في كل الأصول.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

ترى خالقها ومالك أمرها ، فتتمتع بذلك .