تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ} (28)

23

28- { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } .

هنا رجل من آل فرعون قبطي أخفى إيمانه عن قومه ، وآمن بموسى سرّا ، وكان ذلك من أسباب استماع فرعون إلى نصيحته ، والكفّ عن قتل موسى ، قال لهم : كيف تجرؤون على قتل رجل ، وإزهاق روح إنسان كل تهمته أنه يقول : ربّي الله ، أي الإله الذي خلق الناس جميعا ، وهو حرٌّ في اعتقاده كما أنكم أحرار صادقا في قوله ، وأنه رسول من عند الله ، يصبكم بعض الذي يعدكم به من الهلاك في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، وقد تلطف في القول معهم ، وسلك مسلك الملاينة ، وقدّم احتمال كذب موسى استدراجا لهم ، واستجلابا لاستماعهم .

وقد روى البخاري أن عقبة بن أبي معيط خنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر فدفع عقبه بن أبي معيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم {[620]} .

وقال الإمام علي : أشجع الناس أبو بكر ، لقد دافع عن رسول الله مثل دفاع مؤمن آل فرعون ، بيد أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه ، فأثنى الله عليه في كتابه ، وأبو بكر أعلن إيمانه ، وبذل ماله ودمه في سبيل الله

{ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } .

أي : لو كان موسى مسرفا كذابا ، ما هداه الله إلى إعلان رسالته ، وتأييده بالمعجزات ، وإعطائه السلطان المبين ، ولو كان كذابا لخذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله .

وفي هذه الفقرة تعريض بفرعون وملئه ، فإن إسرافهم في القتل وكذبهم على الله ، أو تكذيبهم لرسله ، يُعرِّضهم لعدم هداية الله لهم إلى السبيل الصواب ومنهاج النجاة .


[620]:فوضع رداءه في عنقه فخنقه به: رواه البخاري في المناقب (3856،3678) وفي التفسير (4815) وأحمد في مسنده (6869) من حديث عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ} (28)

فقال ذلك الرجل المؤمن الموفق العاقل الحازم ، مقبحًا فعل قومه ، وشناعة ما عزموا عليه : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } أي : كيف تستحلون قتله ، وهذا ذنبه وجرمه ، أنه يقول ربي الله ، ولم يكن أيضا قولاً مجردًا عن البينات ، ولهذا قال : { وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } لأن بينته اشتهرت عندهم اشتهارًا علم به الصغير والكبير ، أي : فهذا لا يوجب قتله .

فهلا أبطلتم قبل ذلك ما جاء به من الحق ، وقابلتم البرهان ببرهان يرده ، ثم بعد ذلك نظرتم : هل يحل قتله إذا ظهرتم عليه بالحجة أم لا ؟ فأما وقد ظهرت حجته ، واستعلى برهانه ، فبينكم وبين حل قتله مفاوز تنقطع بها أعناق المطي .

ثم قال لهم مقالة عقلية تقنع كل عاقل ، بأي حالة قدرت ، فقال : { وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ }

أي : موسى بين أمرين ، إما كاذب في دعواه أو صادق فيها ، فإن كان كاذبًا فكذبه عليه ، وضرره مختص به ، وليس عليكم في ذلك ضرر حيث امتنعتم من إجابته وتصديقه ، وإن كان صادقًا وقد جاءكم بالبينات ، وأخبركم أنكم إن لم تجيبوه عذبكم الله عذابًا في الدنيا وعذابًا في الآخرة ، فإنه لا بد أن يصيبكم بعض الذي يعدكم ، وهو عذاب الدنيا .

وهذا من حسن عقله ، ولطف دفعه عن موسى ، حيث أتى بهذا الجواب الذي لا تشويش فيه عليهم ، وجعل الأمر دائرًا بين تينك الحالتين ، وعلى كل تقدير فقتله سفه وجهل منكم .

ثم انتقل رضي الله عنه وأرضاه وغفر له ورحمه - إلى أمر أعلى من ذلك ، وبيان قرب موسى من الحق فقال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } أي : متجاوز الحد بترك الحق والإقبال على الباطل . { كَذَّابٌ } بنسبته ما أسرف فيه إلى الله ، فهذا لا يهديه الله إلى طريق الصواب ، لا في مدلوله ولا في دليله ، ولا يوفق للصراط المستقيم ، أي : وقد رأيتم ما دعا موسى إليه من الحق ، وما هداه الله إلى بيانه من البراهين العقلية والخوارق السماوية ، فالذي اهتدى هذا الهدى لا يمكن أن يكون مسرفًا ولا كاذبًا ، وهذا دليل على كمال علمه وعقله ومعرفته بربه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ} (28)

قوله تعالى : { وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ( 28 ) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ } .

الظاهر أن الرجل المؤمن كان قبطيّا من آل فرعون وقد آمن بموسى سرّا . وقيل إنه من بني إسرائيل وكونه قبطيّا أولى بالصواب .

وقوله : { مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ } صفة لرجل .

قوله : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } الاستفهام للإنكار والتعنيف الشديد وأن يقول ، يعني كراهية أن يقول ربي الله ؛ فقد أنكر عليهم الرجل المؤمن عزمهم على قتل موسى لقوله : { رَبِّيَ اللَّهُ } والمعنى : أتفعلون هذه الفعلة الفظيعة الشنعاء وهي قتل نفس مؤمنة محرمة دون على أو سبب إلا قول كلمة الحق ودعوتكم إلى توحيد الله وعبادته وحده . وقد استدرجهم هذا المؤمن إلى الاعتراف بنبوة موسى عليه السلام لتليين قلوبهم القاسية وكسر سَوْرَتهم الجامحة وترغيبا لهم في الإيمان بالله ورسوله .

قوله : { وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } بيَّن لقومه جملة البراهين من المعجزات الظاهرة التي جاءهم بها موسى فشاهدوها وعاينوها . وهي تشهد بصدق رسالته وأنه مبعوث أمين قد جاءهم برسالة الحق واليقين من عند الله .

قوله : { وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } احتج عليهم بأن هذا الذي جاءكم يدعوكم إلى دين الله ، لا يخلو من كونه كاذبا أو صادقا ، فإن كان كاذبا فإنما يعود ضرر كذبه عليه { وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ } يعني إن تعرضتم له بالسوء يصبكم بعض الذي يعدكم ؛ فقد ذكر { بعضُ } مع تقديره أنه نبي صادق في كل ما يقوله ، وهو يبتغي بذلك أن يسلك معهم سبيل المناصحة والبرهان بما يبين لهم أنه لا يتعصب لهذا الرجل فيكون ذلك أقرب إلى تسليمهم له وقبولهم به .

قوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } لا يجعل الله الهداية والتوفيق للذي يشتط ويفتري الكذب ، ومن كان كذلك لا يستقيم أمره بل إن الله خاذله ومهلكه . أو لو كان ذا إسراف وكذب فيما يقول لما عضده الله بالبينات الظاهرة والمعجزات العجاب . وكذلك قال لهم : { يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ } .