الصّديق : من كثر منه الصدق وصار سجية له .
الشهداء : من قتلوا في سبيل الله ، واحدهم شهيد .
19- { وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
إذا صدق المؤمن في إيمانه وتصديقه بالله ورسله ، فتح الله أمامه أبواب الرقي إلى الدرجات العلى ، فالإيمان لمن صدق لا لمن سبق ، ليس في الإسلام كهنوت أو خصوصية تقصر الرقيّ إلى الدرجات العلى على أسر معينة أو فئة معينة .
فسلمان الفارسي صدق في إيمانه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " سلمان منا آل البيت " 14 . ومثل ذلك صهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وتخلّف عن ركب الرسالة أبو لهب القرشيّ .
وهنا يسجّل القرآن وساما للمؤمنين الصادقين في إيمانهم ، فيجعلهم في درجة الصدّيقين ، وفي درجة الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم وأنفسهم في سبيل الله ، فأدخلهم الله الجنة ، وجعل أرواحهم في حواصل طير خضر تسبح حول الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتشرب من رحيقها المختوم ، كما ورد في الحديث الصحيح .
والمفسرون لهم رأيان في تفسير هذه الآية :
أن لها موضوعين فقط هما : المؤمنون ، والكافرون .
والذين آمنوا بالله ربا وخالقا وإلها واحدا أحدا ، وآمنوا بالرسل أجمعين ولم يفرقوا بين أحد منهم : هؤلاء هم الصديقون الذين صدقوا في إيمانهم فحازوا درجة الصدّيقية ، ودرجة الشهادة في سبيل الله .
قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسوله فهو صدّيق وشهيد . ( عن تفسير الفخر الرازي ) .
والذين آمنوا بالله ورسله هم في منزلة الصديقين ، والذين استشهدوا في سبيل الله هم في منزلة عليا عند الله تعالى ، لهم أجر الشهادة في سبيل الله ، ولهم النور الموعود الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم .
أي أن الآية أشارت إلى ثلاثة أصناف :
1- { الذين آمنوا بالله ورسله لهم درجة الصديقين } .
2- الشهداء عند الله تعالى في أعلى الجنان لهم ثوابهم ونورهم .
3- الذين كفروا بآيات الله أولئك أصحاب الجحيم .
وقد أورد الحافظ ابن كثير الرأيين في تفسيره ، واستشهد للرأي الثاني بقوله :
قال أبو الضحى : أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ . ثم استأنف الكلام فقال : { وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } .
وعن ابن مسعود قال : هم ثلاثة أصناف : المصدّقون ، والصديقون ، والشهداء ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا } . ( النساء : 69 ، 70 ) .
وفي الآية نجد أربعة أصناف : الأنبياء ، الصديقين ، الشهداء ، الصالحين .
والأمر في حقيقته راجع إلى فضل الله ونعمته وألطافه وكرمه .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة ترفع من شأن من صدّق بالله ورسله ، وتبيّن أنه في الغرف العليا في الجنة ، التي يتطلع أهل الجنة إليها ، كما نتطلع إلى نجوم السماء .
روى الشيخان ، ومالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدريّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين " . 15
أما منزلة الشهداء فقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم ، والسنّة المطهرة ، لقد جادوا بأرواحهم وأنفسهم في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الله ، فجعلهم الله عنده أحياء ، كما قال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } . ( آل عمران : 169-171 ) .
وأخرج الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أحد يدخل الجنة يحبّ أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " 16 .
{ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ، أولئك هم الصديقون والشهداء ، منزلة وعلوّ مرتبة ، لهم ثواب ونور يوم القيامة ، مثل ثواب الصديقين والشهداء ونورهم ، والذين كفروا وكذبوا بآيات الله أولئك هم أصحاب النار لا يفارقونها أبدا .
بينما نجد المؤمنين الصادقين في إيمانهم ترتفع أقدارهم ودرجاتهم في معيّة الله وكرامته ، مع الثواب الجزيل ، والنور المبين ، نجد جزاء الكافرين الذين كذبوا بآيات الله ، وجحدوا حقائق الإيمان ، وكفروا بالله ورسله ، نجد أنهم يلازمون الجحيم كأنهم أصحابها ، لا يفارقونها أبدا : أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .
اللهم إنا نعوذ بك من النار ومن عذاب النار ، ومن كل عمل يقربنا إلى النار ، اللهم أدخلنا الجنة مع الأبرار ، بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفار .
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } والإيمان عند أهل السنة : هو ما دل عليه الكتاب والسنة ، هو قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة ، فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون أي : الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ، ودون مرتبة الأنبياء .
[ وقوله : ] { وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } كما ورد في الحديث الصحيح : { إن في الجنة مائة درجة ، ما بين الدرجتين{[987]} كما بين السماء والأرض ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله } وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم ، وقربهم الله تعالى .
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق ، المتصدقين ، والصديقين ، والشهداء ، وأصحاب الجحيم ، فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الإحسان إلى الخلق ، وبذل النفع إليهم بغاية ما يمكنهم ، خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله .
والصديقون هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح ، والعلم النافع ، واليقين الصادق ، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله [ لإعلاء كلمة الله ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ] فقتلوا ، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بآيات الله .
وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر ، وهم المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات ، إلا أنهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده ، فهؤلاء مآلهم الجنة ، وإن حصل لهم عقوبة ببعض ما فعلوا .
قوله : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون والشهداء عند ربهم } يعني أولئك المؤمنون بالله ورسوله إيمانا صادقا فهم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء . والمراد بالصديقين ، المبالغون في صدق القلوب وإخلاص النوايا . والشهداء هم القائمون بالشهادة لله ، أو هم الذين استشهدوا في سبيل الله . وقيل : هذه الجملة { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون } جملة مفصولة . ثم استأنف الكلام في قوله : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } فالشهداء مبتدأ وخبره { لهم أجرهم ونورهم } . قوله : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } ذلك وعيد شديد من الله للجاحدين المكذبين بآياته ، المعرضين عن دينه ، بأنهم صائرون إلى الجحيم حيث النار المتسعّرة والعذاب المهين{[4462]} .