28- { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } .
في أعقاب قصة عاد وهلاكها ، تأتي هذه الآية للتأمل في نهاية قوم كانوا يعبدون أوثانا يتقربون بها إلى الله ، ويقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . . . } ( الزمر : 3 ) .
فهل نفعتهم هذه الأصنام ؟ وهل أنقذتهم من الهلاك ؟ والجواب معلوم ، وهو أنه لم يكن لهذه الأصنام أي أثر في نصرتهم ، بل غابوا عنهم فأصبحوا كالمعدومين .
{ وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } .
وهذا الهلاك عاقبة كذبهم وافترائهم على الله ، حيث زعموا أن الأصنام شركاء لله ، وشفعاء لهم عند الله ، وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها ، واعتمادهم عليها .
فلما لم يؤمنوا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ولم تنفعهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء ولهذا قال هنا : { فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً } أي : يتقربون إليهم ويتألهونهم لرجاء نفعهم .
{ بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ } فلم يجيبوهم ولا دفعوا عنهم ، { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } من الكذب الذي يمنون به أنفسهم حيث يزعمون أنهم على الحق وأن أعمالهم ستنفعهم فضلت وبطلت .
قوله تعالى : { فلولا } فهلا { نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهةً } يعني : الأوثان ، اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله عز وجل ، القربان : كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل ، وجمعه : قرابين ، كالرهبان والرهابين . { بل ضلوا عنهم } قال مقاتل : بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم ، { وذلك إفكهم } أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله عز وجل وتشفع لهم ، { وما كانوا يفترون } يكذبون أنها آلهة .
قوله تعالى : " فلولا نصرهم " " لولا " بمعنى هلا ، أي هلا نصرهم آلهتهم التي تقربوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا : " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " {[13867]} [ يونس : 18 ] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم . قال الكسائي : القربان كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من طاعة ونسيكة ، والجمع قرابين ، كالرهبان والرهابين . وأحد مفعولي اتخذ الراجع{[13868]} إلى الذين المحذوف ، والثاني " آلهة " . و " قربانا " حال ، ولا يصح أن يكون " قربانا " مفعولا ثانيا . و " آلهة " بدل منه لفساد المعنى . قاله الزمخشري . وقرئ " قربانا " بضم الراء . " بل ضلوا عنهم " أي هلكوا عنهم . وقيل : " بل ضلوا عنهم " أي ضلت عنهم آلهتهم لأنها لم يصبها ما أصابهم ، إذ هي جماد . وقيل : " ضلوا عنهم " ، أي تركوا الأصنام وتبرؤوا منها . " وذلك إفكهم " أي والآلهة التي ضلت عنهم هي إفكهم في قولهم : إنها تقربهم إلى الله زلفى . وقراءة العامة " إفكهم " بكسر الهمزة وسكون الفاء ، أي كذبهم . والإفك : الكذب ، وكذلك الأفيكة ، والجمع الأفائك . ورجل أفاك أي كذاب . وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن الزبير " وذلك أفكهم " بفتح الهمزة والفاء والكاف ، على الفعل ، أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد . والأفك " بالفتح " مصدر قولك : أفكه يأفكه أفكا ، أي قلبه وصرفه عن الشيء . وقرأ عكرمة " أفكهم " بتشديد الفاء على التأكيد والتكثير . قال أبو حاتم : يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم . وذكر المهدوي عن ابن عباس أيضا " آفكهم " بالمد وكسر الفاء ، بمعنى صارفهم . وعن عبد الله بن الزبير باختلاف عنه " آفكهم " بالمد ، فجاز أن يكون أفعلهم ، أي أصارهم إلى الإفك . وجاز أن يكون فاعلهم كخادعهم . ودليل قراءة العامة " إفكهم " قوله : " وما كانوا يفترون " أي يكذبون . وقيل " أفكهم " مثل " أفكهم " . الإفك والأفك كالحذر والحذر . قاله المهدوي .
ولما كانوا قد جعلوا محط حالهم في الشركاء أنهم سبب التواصل{[59041]} بينهم والتفاوت ، وادعوا أنهم يشفعون فيهم فيقربونهم إلى الله زلفى ويمنعونهم من العذاب{[59042]} في الآخرة ، وكان أدنى الأمور التسوية بينه وبين عذاب الدنيا ، سبب عن أخباره عن إهلاك الأمم الماضية{[59043]} قوله مقدماً للعلة التي جعلها محط نظرهم منكراً عليهم موبخاً لهم : { فلولا } أي فهل لا ولم لا { نصرهم } أي هؤلاء المهلكين { الذين اتخذوا } أي اجتهدوا في صرف أنفسهم عن دواعي العقل والفطر الأولى حتى أخذوا ، وأشار إلى قلة عقولهم ببيان سفولهم فقال : { من دون الله } أي الملك الذي هو أعظم من كل عظيم { قرباناً } أي-{[59044]} لأجل القربة والتقريب العظيم يتقربون إليها ويزعمون أنها تقربهم إلى الله { آلهة } أشركوهم مع الملك الأعظم لأجل ذلك - {[59045]}قاتلهم الله وأخزاهم{[59046]} .
ولما كان التخصيص يفهم أنهم ما نصروهم ، أضرب عنه فقال : { بل ضلوا } أي غابوا {[59047]}وعموا عن الطريق الأقوم وبعدوا{[59048]} { عنهم } وقت بروك{[59049]} النقمة وقروع المثلة حساً ومعنى . ولما كان التقدير : فذلك الاتخاذ الذي أدتهم{[59050]} إليه عقولهم السافل جداً البعيد من الصواب كان الموصل إلى مآلهم هذا ، عطف عليه قوله : { وذلك } أي الضلال البعيد من السداد الذي تحصل من هذه القصة من إخلاف ما كانوا يقولون : إن أوثانهم آلهة ، وأنها تضر وتنفع وتقربهم إلى الله وتشفع لهم عنده { إفكهم } أي صرفهم الأمور عن وجهها إلى أقفائها ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى العذاب ، أي وهذا{[59051]} العذاب {[59052]}جزاؤهم في مقابلة{[59053]} إفكهم { وما كانوا } أي على وجه الدوام لكونه{[59054]} في طباعهم { يفترون * } أي يتعمدون كذبه لأن{[59055]} إصرارهم عليه بعد مجيء الآيات لا يكون إلا {[59056]}لذلك لأن من نظر{[59057]} فيها مجرداً نفسه عن الهوى اهتدى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.