تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة نوح

أهداف سورة نوح

( سورة نوح مكية ، وآياتها 28 آية ، نزلت بعد سورة النحل )

فكرة السورة :

السورة قصة نبي كريم من أولي العزم من الرسل ، أرسله الله إلى قومه ليدعوهم إلى الإيمان فقاموا دعوته وأنكروا رسالته ، فلفت نوح نظرهم إلى التأمل في خلق السماء والشمس والقمر ، والأرض والنبات وسائر المخلوقات ، ولكنهم صمّوا آذانهم عن سماع الحق ، وحجبوا عيونهم عن النظر في الأدلة الواضحة والحجة الدامغة ، فاستحقوا عقاب الله وأغرقوا بالطوفان في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب شديد .

أهداف الرسالات :

السورة نموذج حتى لمعاناة الرسل مع أقوامهم ، وجهادهم في سبيل الدعوة ، لقد مكث نوح مع قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وما آمن معه إلا قليل ، ولقد كان عناد قومه سببا في هلاكهم ، وكأن الله أراد أن يحذر أهل مكة من العناد ، وأن يذكرهم بمن أهلك من الكافرين .

قال تعالى : وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . ( الإسراء : 17 ) .

يعني لقد أهلك الله قوم نوح ، وأهلك من بعده عددا كبيرا كعاد وثمود وفرعون ، وكان هلاكهم جزاء عادلا وعقابا مناسبا لقوم يعلم الله إصرارهم على الكفر وبعدهم عن قبول الحق .

لقد صبر الرسل وصابروا من أجل إبلاغ الدعوة إلى أقوامهم ، وحملوا كلمة الله ناصعة نقية واضحة سليمة ، وعرضوها أمام العيون والقلوب لتبصر وترى آثار قدرة الله وعظيم خلقه ، وليكون إيمانهم عن بينة ويقين ، ولئلا يحتجّ إنسان يوم القيامة بأن الرسالة لم تبلغه .

قال تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين للناس على الله حجّة بعد الرسل . . . ( النساء : 165 ) .

ومن هؤلاء الرسل خمسة كانوا أكثر معاناة مع أقوامهم ، وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم .

وقد كان جهادهم مع أقوامهم أية في تحمل البلاء ، والصبر على الإيذاء والعناد .

قال تعالى : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل . . . ( الأحقاف : 35 ) .

لقد صبر نوح دهرا طويلا على قومه ، وألقي إبراهيم في النار ، وأوذي موسى أبلغ الأذى فصبر ، وحاول اليهود الإيقاع بالمسيح ، والإغراء بقتله فرفعه الله إليه ، وكان خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم يتحمّل صنوف الأذى وألوان الاضطهاد بمكة ، ويتحمل نفاق المنافقين وكيد اليهود بالمدينة .

ولكن العاقبة كانت للمتقين ، لقد أدّى الرسل واجبهم ، وبلّغوا رسالتهم ، ونجاهم الله مع المؤمنين ، ثم عاقب الجاحدين .

ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين* إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون . ( الصافات : 171 -173 ) .

مع آيات السورة

1- 4- أرسل الله نوحا عليه السلام ليدعو قومه إلى عبادة الله وطاعته ، وقد بلّغ نوح دعوة ربه إلى قومه ، ولخّص دعوته في ثلاث كلمات : اعبدوا الله وحده ، واتقوه وآمنوا به عن يقين ، وأطيعوا رسولكم فيما يأمركم به وينهاكم عنه .

وبهذا الإيمان تستحقون مغفرة الله لكم ، والبركة في أعماركم ، ولا شك أن للطاعات مدخلا في راحة البال ، واستقرار العيش ، وهدوء النفس ، وهذا بلا ريب يطيل العمر ويجعله مباركا حافلا بالأعمال النافعة .

5-9- تعبّر الآيات عن جهود نبي كريم في دعوة قومه إلى الإيمان ، فهو يؤدي رسالته ، وينهض بدعوة قومه ، ويناجي ربه قائلا :

لقد دعوت قومي إلى عبادتك والإيمان بك في الليل والنهار ، وانتهزت كل فرصة مناسبة لدعوتهم وإرشادهم ، ولكنهم لم يستجيبوا لدعوة الله ، وقابلوها بالجحود والعناد ، وأغلقوا في وجه الدعوة قلوبهم ، وسدّوا منافذ العلم إلى نفوسهم ، فجعلوا أصابعهم في آذانهم ليمنعوها من السمع ، وغطّوا عيونهم بثيابهم ليمنعوها من الإبصار ، واستمروا في عنادهم وكفرهم .

وقد لوّن نوح في أساليب الدعوة ، فدعاهم علنا في أماكن التجمع فلم يستجيبوا ، فدعا كل فرد على حدة وحاول استمالة الأشخاص وإقناعهم فلم يلق قبولا .

10-12- وقد دعاهم إلى التوبة والإنابة وطلب المغفرة من الله ، فإذا صدقوا في توبتهم غمرهم الله بالنعم ، وأنزل عليهم المطر ، ورزقهم الأموال والذرية ، والبساتين النضرة والمياه الجارية .

13- 20- لم لا تعظمون الله وهو خالق الأولين والآخرين في أطوار وجودهم ؟ وجميع ما في الكون يدل على الله ، فالسماوات السبع المتطابقة بعضها فوق بعض ، والشمس والقمر ، وخلق الإنسان ونموه كما ينمو النبات ، ثم دعوته إلى الأرض بعد الموت ، والأرض الممهدة المهيأة للانتفاع بما في باطنها من كنوز ومعادن ، وما في ظاهرها من زراعة وصناعة وتجارة ، كل هذه المخلوقات تدل على الإله الخالق .

21- 25- في هذا المقطع نسمع آلام نبي كريم ، قدّم لقومه سائر الحجج والبراهين ، ولكن قومه قابلوا دعوته بالتكذيب والعصيان ، واتّبعوا الخاسرين الهالكين ، والزعماء المضللين ، وبيّتوا أمرهم بالكيد لنوح ودعوته ، وتواصوا بالبقاء على كفرهم ومألوفهم وعبادة أصنامهم ، وخصّوا بالذكر الأصنام الخمسة الكبار وهي : ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، وهي أصنام كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب .

وهنا ضاق نوح بقومه وضلالهم البعيد ، فدعا الله أن يزيدهم ضلالا جزاء عنادهم ، لقد ارتكبوا كثيرا من الأخطاء ولذلك أغرقهم الله بالطوفان ، ثم أدخلوا في عذاب القبر وعذاب النار ، ولم يجدوا أحدا ينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، وهكذا جزاء كل كافر معاند ، أن يحل به بطش الله القوي الغالب .

ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد* وثمود الذين جابوا الصّخر بالواد* وفرعون ذي الأوتاد* الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد* فصبّ عليهم ربك سوط عذاب* إن ربك لبالمرصاد . ( الفجر : 6-14 ) .

26 ، 27- وفي آخر السورة زفرات نبي مكلوم ، مكث ألف سنة ثم قوبل بالجحود ، فقال : يا رب أهلك جميع الكافرين ، ولا تترك منهم أحدا ، وليس ذلك حبّا في الانتقام ، ولكن رغبة في نظافة الأرض منهم ، لأن بقاءهم كفارا يخشى منه أن يفتنوا المؤمنين ويضلّوهم بالرغبة أو الرهبة ، ولا يخرج من أصلاب هؤلاء الكافرين إلا فاجر كافر ، فالإناء ينضح بما فيه .

28- وفي آخر آية تبتل نبي كريم بدعاء ندي رضي ، يطلب فيه مغفرة الله له ولوالديه ، ولمن دخل في دعوته وآمن به ، ولسائر المؤمنين والمؤمنات ، أما الظالمون فلا يستحقون الهداية التي أعرضوا عنها ، بل يستحقون أن يزيدهم الله ضلالا إلى ضلالهم ، فمن أعرض عن الله سلب الله عنه الهدى والتوفيق ، وتركه يتخبط في دياجير الظلام : نسوا الله فنسيهم . . . ( التوبة : 67 ) .

المعنى الإجمالي للسورة

الهدف الرئيسي للسورة بيان دعوة نوح ، وحرصه على إيمان قومه ، وقد حوت هذه الدعوة ما يأتي :

( أ‌ ) طلب تركهم للذنوب ، وأنهم إذا فعلوا ذلك أكثر الله لهم المال والبنين .

( ب‌ ) النظر في خلق السماوات والأرض والأنهار والبحار .

( ج ) النظر في خلق الإنسان ، وأنه يخلق في الأرض كما يخلق النبات ، وأن الأرض مسخّرة له يتصرف فيها كما يشاء .

وبينت السورة كفر قوم نوح وعنادهم ، وعقابهم في الدنيا والآخرة .

إرسال نوح عليه السلام إلى قومه

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم 1 قال يا قوم إني لكم نذير مبين 2 أن اعبدوا الله واتّقوه وأطيعون 3 يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجل مسمّى إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون 4 }

المفردات :

إلى قومه : هم سكان جزيرة العرب ومن قرب منهم .

أن أنذر : بأن أنذر ، أو بإنذار .

عذاب أليم : مؤلم في الدنيا بالطوفان ، ومؤلم في الآخرة بنار جهنم .

التفسير :

1- إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم .

رسالة الرسل

كان آدم عليه السلام الأب الأوّل للبشرية ، ولعل رسالته اقتصرت على أبنائه وأحفاده ، وكان بين آدم ونوح عشرة قرون ، انحرفت فيها البشرية ، وعبدت أوثانا من دون الله تعالى ، فأرسل الله نوحا إلى قومه .

وهو أوّل رسول أرسل إلى قومه ، وأطول الرّسل عمرا ، وربما كان أطول البشر عمرا ، لقد جاءت إليه الرسالة وعمره أربعون عاما ، ثم مكث في قومه رسولا ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم جاء الطوفان فأغرق الكافرين ، ونجّى الله المؤمنين ، ثم مكث نوح قومه ستّين عاما بعد الطوفان .

لقد طالت رسالة نوح ، وطال تكذيب قومه له ، مع تذرّع نوح بالصبر والحلم ، والجدال الواضح المبين ، حتى تحدّاه قومه قائلين : يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين . ( هود : 32 ) .

الحكمة من إرسال الرسل

خلق الله الإنسان من تراب ، ثم نفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة ، ومنحه العقل والحرية والاختيار ، وجعله أهلا للطاعة وأهلا للمعصية ، ثم أرسل الله له الرسل ، وأنزل له الكتب ، لإرشاده إلى الحق والخير والإيمان ، وتحذيره من الكفر والطغيان ، وقد جاهد الرّسل جهادا مستمرّا من عهد نوح الأب الثاني للبشرية إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين ، جاهد الرّسل وتحمّلوا التكذيب والتعذيب والقتل من أجل الدعوة إلى الإيمان ، وبيان حجة الله تعالى على عباده ، وحتى يكون للجنة أهلها عن عدالة وبيّنة ، وللنار أهلها عن عدالة وبيّنة .

قال تعالى : رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ( النساء : 165 ) .

أرسل الله الرّسل دعاة إلى الإيمان ، وهداة للبشرية ، ومعلّمين للحق والخير ، ولا يتقاضون أجرا على تبليغ الرسالة ، وإنما ينفّذون تعاليم السماء ، ويبلّغون الوحي ، وينصحون الناس ، ويذكّرون الخلق بقدرة الخالق وفضله ، ونعمائه وعدالته ، ويبيّنون للناس أن هناك بعثا ونشرا وحسابا وجزاء وجنة ونارا ، فمن أطاع فله الجنة ، ومن عصى الله وكذّب رسله فله النار .

قصة نوح في سورة نوح

وسورة نوح تحمل قصته ، ودعوته ، وأدلته على هذا الإيمان ، وجهاده الطويل ليلا ونهارا ، وسرّا وجهارا ، ثم تكذيب قومه له ، وغرق الكافرين منهم ، ونجاة المؤمنين ، وظلّ هذا ديدن البشرية وعقوبة تكذيبها ، مثل قوم عاد ، وقوم ثمود ، وفرعون ومثله ، وغيرهم .

قال تعالى : وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . ( الإسراء : 17 ) .

لقد استمرت رسالة الرسل في تاريخ البشرية الطويل ، وهي من رحمات الله وأفضاله ، أن يرسل الرسل ، وأن ينزل الكتب ، وأن يدعو الناس إلى الإيمان ، وأن يحذّرهم من الكفر والعصيان ، وأن يمهل العصاة لعلهم أن يتوبوا ، فإذا تابوا قبل توبتهم .

قال تعالى : إن الله التوابين ويحب المتطهرين . ( البقرة : 222 ) .

عود إلى التفسير

إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم .

الله تعالى هو الذي يتحدث عن فضله بعباده ، فيقول : إنا أرسلنا نوحا رسولا من عند الله إلى قومه في جزيرة العرب وما حولها ، ليقول لقومه : إنّي أحذّركم من عبادة الأوثان ، موضّح لكم أن العبادة لا تكون إلا لله الواحد الأحد ، الخالق الرزّاق ، المتّصف بكل كمال ، المنزّه عن كل نقص .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة نوح عليه السلام وهي مكية

{ 1 - 28 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ }

إلى آخر السورة لم يذكر الله في هذه السورة سوى قصة نوح وحدها لطول لبثه في قومه ، وتكرار دعوته إلى التوحيد ، ونهيه عن الشرك ، فأخبر تعالى أنه أرسله{[1237]}  إلى قومه ، رحمة بهم ، وإنذارا لهم من عذاب الله الأليم ، خوفا من استمرارهم على كفرهم ، فيهلكهم الله هلاكا أبديا ، ويعذبهم عذابا سرمديا .


[1237]:- في ب: أنه أرسل نوحا.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة نوح

مكية وآياتها ثمان وعشرون

{ إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك } بأن أنذر قومك ، { من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } المعنى : إنا أرسلناه لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي عشرون وثماني آيات

{ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك } أي بأن خوفهم عذاب الله

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ثمان وعشرون آية .

قوله تعالى : " إنا أرسلنا نوحا إلى قومه " قد مضى القول في " الأعراف{[15377]} " أن نوحا عليه السلام أول رسول أرسل . ورواه قتادة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أول رسول أرسل نوح وأرسل إلى جميع أهل الأرض ) . فلذلك لما كفروا أغرق الله أهل الأرض جميعا . وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السلام . قال وهب : كلهم مؤمنون . أرسل إلى قومه وهو ابن خمسين سنة . وقال ابن عباس : ابن أربعين سنة . وقال عبدالله بن شداد : بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة . وقد مضى في سورة " العنكبوت{[15378]} " القول فيه . والحمد لله . " أن أنذر قومك " أي بأن أنذر قومك ، فموضع " أن " نصب بإسقاط الخافض . وقيل : موضعها جر لقوة خدمتها مع " أن " . ويجوز " أن " بمعنى المفسرة فلا يكون لها موضع من الإعراب ؛ لأن في الإرسال معنى الأمر ، فلا حاجة إلى إضمار الباء . وقراءة عبدالله " أنذر قومك " بغير " أن " بمعنى قلنا له أنذر قومك . وقد تقدم معنى الإنذار في أول " البقرة{[15379]} " . " من قبل أن يأتيهم عذاب أليم " النار في الآخرة . وقال الكلبي : هو ما نزل عليهم من الطوفان . وقيل : أي أنذرهم العذاب الأليم على الجملة إن لم يؤمنوا . فكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيبا ، وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) . وقد مضى هذا مستوفى في سورة " العنكبوت{[15380]} " والحمد لله .


[15377]:راجع جـ 7 ص 232.
[15378]:راجع جـ 13 ص 332.
[15379]:راجع جـ 1 ص 184.
[15380]:راجع جـ 13 ص 332.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة نوح عليه السلام{[1]}

مقصودها الدلالة على {[2]}تمام القدرة{[3]} على ما أنذر به آخر " سأل " من إهلاك المنذرين وتبديل خير منهم ، {[4]}و من{[5]} القدرة على إيجاد يوم القيامة الذي طال إنذارهم به وهم عنه معرضون وبه مكذبون {[6]}وبه لاهون{[7]} ، وتسميتها بنوح عليه السلام أدل ما فيها على ذلك ، فإن أمره في إهلاك قومه بسبب {[8]} تكذيبهم له{[9]} في ذلك مشهور ومقصوص في غير ما موضع ومذكور ، وتقرير أمر البعث في قصته في هذه [ السورة-{[10]} ] مقرر ومسطور ( بسم الله ) الذي له الكمال كله من الجلال والإكرام ( الرحمن ) الذي عم بما أفاضه من ظاهر الإنعام ( الرحيم ) الذي خص أولياءه بلزوم الطاعة [ في الابتداء-{[11]} ] وإتمام النعمة في الختام .

ولما ختمت " سأل " بالإنذار للكفار ، وكانوا عباد أوثان ، بعذاب الدنيا والآخرة ، أتبعها أعظم عذاب كان في الدنيا في تكذيب الرسل بقصة نوح عليه السلام ، وكان قومه عباد أوثان ، وكانوا يستهزئون به وكانوا أشد تمرداً من قريش وأجلف وأقوى وأكثر ، فلم ينفعهم شيء من ذلك عند نزول البلاء وبروك النقمة عليهم وإتيان العذاب إليهم ، وابتدأها بالإنذار تخويفاً من عواقب التكذيب به ، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم أن يكون الرسول بشراً أو لتنزيلهم منزلة المنكرين{[68573]} من حيث أقروا برسالته وطعنوا في رسالة غيره مع المساواة في البشرية : { إنا } أي بما لنا من العظمة الباهرة{[68574]} البالغة { أرسلنا نوحاً } وهو أول رسول أتى بعد اختلاف أولاد آدم عليه السلام في دين أبيهم الأقوم { إلى قومه } أي الذين كانوا في غاية القوة على القيام بما يحاولونه وهم بصدد أن يجيبوه {[68575]}إلى ما دعاهم إليه{[68576]} ويكرموه لما بينهم من القرب {[68577]}بالنسب واللسان{[68578]} ، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين .

ولما بان بما مضى المرسِل والرسول والمرسَل إليهم ، وكان الإرسال متضمناً معنى القول ، أخذ في تفسيره بياناً للمرسل به فقال : { أن أنذر } أي حذر تحذيراً بليغاً عظيماً { قومك } من الاستمرار على الكفر .

ولما كان المقصود " {[68579]}إعلامهم بذلك{[68580]} " في بعض الأوقات لأن الإنسان لا بد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره ، أتى بالجار تخفيفاً عليه ورفقاً به عليه السلام فقال : { من{[68581]} قبل أن يأتيهم } أي على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة { عذاب أليم * } .

و{[68582]}قال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر {[68583]}على قومه{[68584]} {[68585]}في قوله{[68586]} :{ فاصبر صبراً جميلاً }[ المعارج : 5 ] وجليل الإغضاء في قوله :{ فذرهم يخوضوا ويلعبوا }[ المعارج : 42 ] أتبع ذلك بقصة نوح عليه السلام وتكرر دعائه{[68587]} قومه إلى الإيمان ، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه{[68588]} صلى الله عليه وسلم ، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع

{ فاصبر{[68589]} كما صبر أولو العزم{[68590]} من الرسل ولا تستعجل لهم }[ الأحقاف : 35 ] { فلا تذهب نفسك عليهم{[68591]} حسرات }[ فاطر : 8 ] فقد دام دعاء نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك ، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فراراً{ قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً{[68592]} وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً }[ نوح : 5- 7 ] ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير{[68593]} دعائه ، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً وتصميماً على كفرهم حتى أخذهم الله ، وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح{[68594]} عليه السلام رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً }[ نوح : 26 ] وذلك ليأسه{[68595]} من فلاحهم ، وانجر في هذا حض نبينا صلى الله عليه وسلم على الصبر على قومه والتحمل منهم{[68596]} كما صرح به في قوله تعالى :{ خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين }[ الأعراف : 199 ] وكما قيل له قبل{[68597]}{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت }[ القلم : 48 ] { وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك }[ هود : 120 ] انتهى{[68598]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[68573]:- من ظ وم، وفي الأصل: المتكبرين.
[68574]:- سقط من ظ وم.
[68575]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68576]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68577]:- زيد في الأصل: له، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68578]:- من ظ وم، وفي الأصل: اللسان والنسب.
[68579]:- من ظ ومن وفي الأصل: بذلك اعلامهم.
[68580]:- من ظ ومن وفي الأصل: بذلك اعلامهم.
[68581]:- ليس في الأصل.
[68582]:- زيد من ظ وم.
[68583]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68584]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68585]:- من ظ وم، وفي الأصل: قال.
[68586]:- من ظ وم، وفي الأصل: قال.
[68587]:- من ظ وم، وفي الأصل: دعا.
[68588]:- من ظ وم، وفي الأصل: له.
[68589]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[68590]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[68591]:- تكرر في الأصل فقط.
[68592]:- زيد من ظ وم.
[68593]:- في ظ وم: تكرار.
[68594]:- زيد من ظ وم.
[68595]:- من ظ وم، وفي الأصل: لياسهم-كذا.
[68596]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليهم.
[68597]:- زيدت في الأصل آية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[68598]:- زيد من ظ وم.