نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة نوح عليه السلام{[1]}

مقصودها الدلالة على {[2]}تمام القدرة{[3]} على ما أنذر به آخر " سأل " من إهلاك المنذرين وتبديل خير منهم ، {[4]}و من{[5]} القدرة على إيجاد يوم القيامة الذي طال إنذارهم به وهم عنه معرضون وبه مكذبون {[6]}وبه لاهون{[7]} ، وتسميتها بنوح عليه السلام أدل ما فيها على ذلك ، فإن أمره في إهلاك قومه بسبب {[8]} تكذيبهم له{[9]} في ذلك مشهور ومقصوص في غير ما موضع ومذكور ، وتقرير أمر البعث في قصته في هذه [ السورة-{[10]} ] مقرر ومسطور ( بسم الله ) الذي له الكمال كله من الجلال والإكرام ( الرحمن ) الذي عم بما أفاضه من ظاهر الإنعام ( الرحيم ) الذي خص أولياءه بلزوم الطاعة [ في الابتداء-{[11]} ] وإتمام النعمة في الختام .

ولما ختمت " سأل " بالإنذار للكفار ، وكانوا عباد أوثان ، بعذاب الدنيا والآخرة ، أتبعها أعظم عذاب كان في الدنيا في تكذيب الرسل بقصة نوح عليه السلام ، وكان قومه عباد أوثان ، وكانوا يستهزئون به وكانوا أشد تمرداً من قريش وأجلف وأقوى وأكثر ، فلم ينفعهم شيء من ذلك عند نزول البلاء وبروك النقمة عليهم وإتيان العذاب إليهم ، وابتدأها بالإنذار تخويفاً من عواقب التكذيب به ، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم أن يكون الرسول بشراً أو لتنزيلهم منزلة المنكرين{[68573]} من حيث أقروا برسالته وطعنوا في رسالة غيره مع المساواة في البشرية : { إنا } أي بما لنا من العظمة الباهرة{[68574]} البالغة { أرسلنا نوحاً } وهو أول رسول أتى بعد اختلاف أولاد آدم عليه السلام في دين أبيهم الأقوم { إلى قومه } أي الذين كانوا في غاية القوة على القيام بما يحاولونه وهم بصدد أن يجيبوه {[68575]}إلى ما دعاهم إليه{[68576]} ويكرموه لما بينهم من القرب {[68577]}بالنسب واللسان{[68578]} ، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين .

ولما بان بما مضى المرسِل والرسول والمرسَل إليهم ، وكان الإرسال متضمناً معنى القول ، أخذ في تفسيره بياناً للمرسل به فقال : { أن أنذر } أي حذر تحذيراً بليغاً عظيماً { قومك } من الاستمرار على الكفر .

ولما كان المقصود " {[68579]}إعلامهم بذلك{[68580]} " في بعض الأوقات لأن الإنسان لا بد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره ، أتى بالجار تخفيفاً عليه ورفقاً به عليه السلام فقال : { من{[68581]} قبل أن يأتيهم } أي على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة { عذاب أليم * } .

و{[68582]}قال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر {[68583]}على قومه{[68584]} {[68585]}في قوله{[68586]} :{ فاصبر صبراً جميلاً }[ المعارج : 5 ] وجليل الإغضاء في قوله :{ فذرهم يخوضوا ويلعبوا }[ المعارج : 42 ] أتبع ذلك بقصة نوح عليه السلام وتكرر دعائه{[68587]} قومه إلى الإيمان ، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه{[68588]} صلى الله عليه وسلم ، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع

{ فاصبر{[68589]} كما صبر أولو العزم{[68590]} من الرسل ولا تستعجل لهم }[ الأحقاف : 35 ] { فلا تذهب نفسك عليهم{[68591]} حسرات }[ فاطر : 8 ] فقد دام دعاء نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك ، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فراراً{ قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً{[68592]} وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً }[ نوح : 5- 7 ] ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير{[68593]} دعائه ، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً وتصميماً على كفرهم حتى أخذهم الله ، وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح{[68594]} عليه السلام رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً }[ نوح : 26 ] وذلك ليأسه{[68595]} من فلاحهم ، وانجر في هذا حض نبينا صلى الله عليه وسلم على الصبر على قومه والتحمل منهم{[68596]} كما صرح به في قوله تعالى :{ خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين }[ الأعراف : 199 ] وكما قيل له قبل{[68597]}{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت }[ القلم : 48 ] { وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك }[ هود : 120 ] انتهى{[68598]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[68573]:- من ظ وم، وفي الأصل: المتكبرين.
[68574]:- سقط من ظ وم.
[68575]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68576]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68577]:- زيد في الأصل: له، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68578]:- من ظ وم، وفي الأصل: اللسان والنسب.
[68579]:- من ظ ومن وفي الأصل: بذلك اعلامهم.
[68580]:- من ظ ومن وفي الأصل: بذلك اعلامهم.
[68581]:- ليس في الأصل.
[68582]:- زيد من ظ وم.
[68583]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68584]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68585]:- من ظ وم، وفي الأصل: قال.
[68586]:- من ظ وم، وفي الأصل: قال.
[68587]:- من ظ وم، وفي الأصل: دعا.
[68588]:- من ظ وم، وفي الأصل: له.
[68589]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[68590]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[68591]:- تكرر في الأصل فقط.
[68592]:- زيد من ظ وم.
[68593]:- في ظ وم: تكرار.
[68594]:- زيد من ظ وم.
[68595]:- من ظ وم، وفي الأصل: لياسهم-كذا.
[68596]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليهم.
[68597]:- زيدت في الأصل آية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[68598]:- زيد من ظ وم.