السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي سبع وعشرون آية ، ومائتان وأربع وعشرون كلمة ، وتسعمائة وتسعة وعشرون حرفاً .

{ بسم الله } ذي الجلال والإكرام { الرحمن } الذي عمّ بما أفاضه من ظاهر الإنعام { الرحيم } الذي حفظ أولياءه من الابتداء إلى الختام .

ولما ختمت سأل بالإنذار للكفار وكانوا عباد أوثان بعذاب الدنيا والآخرة أتبعها أعظم عذاب كان في الدنيا على تكذيب الرسل بقصة نوح عليه السلام فقال تعالى : { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن تذر قومك من قبل أن تأتيهم عذاب أليم } .

{ إنا } أي : بما لنا من العظمة البالغة { أرسلنا نوحاً إلى قومه } أي : الذين كانوا في غاية القوّة على القيام بما يحاولونه وهم بصدد أن يجيبوه ويكرموه لما بينهم من القرب بالنسب واللسان ، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين ، روى قتادة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أول نبي أرسل نوح عليه السلام » وأرسل إلى جميع أهل الأرض ولذلك لما كفروا أغرق الله تعالى أهل الأرض جميعاً ، وهو نوح بن لمك بن متوشلح بن أخنوخ ، وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السلام . قال وهب : وكل مؤمنون أرسل إلى قومه وهو ابن خمسين سنة . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : وهو ابن أربعين سنة . وقال عبد الله بن شداد : بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة .

ويجوز في قوله تعالى : { أن أنذر } أي : حذر تحذيراً عظيماً { قومك } أي : الاستمرار على الكفر أن تكون أن مفسرة فلا يكون لها من الإعراب لأن في الإرسال معنى الأمر فلا حاجة إلى إضمار ، ويجوز أن تكون المصدرية أي : أرسلناه بالإنذار ا . ه . قال الزمخشري : والمعنى أرسلناه بأن قلنا له أنذر قومك أي : أرسلناه بالأمر بالإنذار ا . ه . وهذا الذي قدره جواب عن سؤال وهو أنّ قولهم إنّ أن المصدرية يجوز أن توصل بالأمر مشكل ؛ لأنه ينسبك منها ومما بعدها مصدر وحينئذ فتفوت الدلالة على الأمر ألا ترى أنك إذا قدرت كتبت إليه بأن قم : كتبت إليه القيام تفوت الدلالة على الأمر حال التصريح بالمصدر فينبغي أن يقدر كما قاله الزمخشري أي : كتبت إليه بأن قلت له : قم ، أي : كتبت إليه بالأمر بالقيام .

وقال القرطبي : أي بأن أنذر قومك { من قبل أن يأتيهم } أي : على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة { عذاب أليم } أي : عذاب الآخرة أو الطوفان .