اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة نوح

عليه السلام

مكية وهي ثمان وعشرون آية ، ومائتان وأربع وعشرون كلمة ، وتسعمائة وتسعة وعشرون حرفا .

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ } .

روى قتادة عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : «أوَّل نبيٍّ أرسِلَ نوحٌ عليه الصلاة والسلام ، وأرسِلَ إلى جَميعِ أهْلِ الأرضِ »{[57974]} .

ولذلك لمَّا كفروا ، أغرق الله أهل الأرض جميعاً ، وهو نوح بنُ لامك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه الصلاة والسلام .

قال وهبٌ : وكلهم مؤمنون ، أرسل إلى قومهِ وهو ابنُ خمسين سنة .

وقال ابن عبَّاسٍ : أربعين سنة{[57975]} .

وقال عبد الله بن شداد : بعث وهو ابنُ ثلاثمائة وخمسين سنة .

قوله : { أَنْ أَنذِرْ } .

يجوز أن تكون المفسرة ، فلا يكونُ لها موضع من الإعراب ؛ لأن في الإرسال معنى الأمر فلا حاجة إلى إضمار الباءِ ، ويجوز أن تكون المصدرية ، أي : أرسلناه بالإنذار .

قال الزمخشريُّ : والمعنى : أرسلناه بأن قلنا له : أنذر ، أي : أرسلناه بالأمر بالإنذار . انتهى .

وهذا الذي قدره حسنٌ جدّاً ، وهو جواب عن سؤال تقدَّم في هذا الكتاب ، وهو قولهم : فإنَّ «أنْ » المصدرية يجوز أن توصل بالأمر مشكل ؛ لأنه ينسبكُ منها وما بعدها مصدر ، وحينئذ فتفوت الدلالة على الأمر ؛ ألا ترى أنَّك إذا قدَّرت «كتبت إليهم بأن قم كتبت إليه القيام » تفوت بالدلالة على الأمر حال التصريح بالمصدر ، فينبغي أن يقدر كما قاله الزمخشريُّ ، أي : كتبت إليه بأن قلتُ له : قُمْ ، أي : كتبتُ إليه بالأمر بالقيامِ .

وقال القرطبي{[57976]} : «أي : بأن أنذر قومكَ ، فموضع " أن " نصب بإسقاط الخافض » .

وقرأ عبد الله{[57977]} : «أنذر قومك » بغير «أن » بمعنى : «قلنا له : أنذر قومك » . وقد تقدم معنى الإنذار في سورة «البقرة » .

وقوله : { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

قال ابن عبَّاسٍ : يعني عذاب النَّار في الآخرة{[57978]} .

وقال الكلبيُّ : هو الطوفان{[57979]} .

وقيل : أنذرهم بالعذاب على الجملة إن لم يؤمنوا ، فكان يدعو قومه وينذرهم ، فلا يجيبونه كما تقدَّم .


[57974]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/94) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن عساكر. وذكره المتقي الهندي في "كنز العمال" (32391) وعزاه إلى ابن عساكر.
[57975]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/193).
[57976]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/193.
[57977]:ينظر: الكشاف 4/165، والمحرر الوجيز 5/372.
[57978]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/98) والقرطبي (18/193).
[57979]:ينظر المصدر السابق.