{ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله . . . } .
وأنعمت عليه : بالعتق وهو زيد بن حارثة .
واتق الله : في أمر زينب زوجتك فلا تحاول طلاقها .
وتخفى في نفسك : أمر تزوجها الذي شرعه الله حذرا من قالة الناس .
في أزواج أدعيائهم : في أزواج من دعوهم أبناءهم وهم غرباء .
وكان أمر الله مفعولا : وكان حكمه وقضاؤه نافذا .
روي عن علي زين العابدين بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا سيطلق زينب ، وأنه سيتزوجها بتزويج الله إياها له ، فلما اشتكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وأنها لا تطيعه وأعلمه أنه يريد طلاقها قال له النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهو يعلم أن زيدا سيفارقها وأنه صلى الله عليه وسلم سيتزوجها وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها فعاتبه الله على هذا القدر من أنه خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال { أمسك } ، مع علمه أنه يطلق وأعلمه أن الله أحق بالخشية في كل حال ؟ 40
قال القرطبي : قال علماؤنا رحمة الله عليهم وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري والقاضي أبي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم والمراد بقوله : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين ، بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه فأما ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد – وربما أطلق بعض المجَّان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بحرمته .
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول : قال علي بن الحسين : إنه إنما عتب الله_ عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد : { أمسك عليك زوجك . . } وأخذتك خشية الناس أن يقولوا تزوج محمد امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه .
قال بعض العلماء ليس هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خطيئة : ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار منه وقد يكون الشيء ليس بخطية إلا أن غيره أحسن منه وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس . 41
وقال الخفاجي واضح أن الله تعالى لما أراد نسخ تحريم زوجة المتبني أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب إذا طلقها زيد فلم يبادر له صلى الله عليه وسلم مخافة طعن الأعداء فعوتب عليه أه .
صح من حديث البخاري والترمذي أن زينب رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات .
{ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله . . . } .
واذكر أيها النبي الكريم حين تقول لزيد بن حارثة ، الذي أنعم الله عليه بالإسلام والهداية وأنعمت عليه بالعتق والتقريب منك حين جاء يشتكي من زينب ويذكر أنها ستعلى عليه فقلت له :
{ امسك عليك زوجك . . . } . فلا تطلقها { واتق الله . . . } . فيما تقوله عنها .
{ وتخفي في نفسك . . . } . أنك مأمور بتزويجها مع أن الله سيبديه ويظهره علنا وتخاف من تغيير الناس ونقدهم واعتراضهم النابع من منطق الجاهلية .
{ والله أحق أن تخشاه . . . } . وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدما وقضاء على الأحكام التي جعلت الدعى كابن الصلب .
{ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا } .
لما قضى زيد حاجته منها وملها وطلقها وانتهت عدتها جعلناها لك زوجة بأمرنا ليرتفع الحرج والضيق من بين المؤمنين إذا أرادوا الزواج بمطلقات أدعيائهم ، وهم الذين تبنوهم في الجاهلية ثم أبطل الإسلام حكم التبني وألغى جميع آثاره وصفى كل نتائجه وكان قضاء الله وقدره نافذا وكائنا لا محالة .
قال محمد بن عبد الله بن جحش تفاخرت زينب وعائشة رضي الله عنهما فقالت زينب أنا التي نزل تزويجي من السماء وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري من السماء فاعترفت لها زينب .
وذكر القرطبي وابن جرير عن الشعبي قال : كانت زينب رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك ثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن : أن جدي وجدك واحد ، وأن الله أنكحك إياي من السماء وأنا السفير في ذلك .
{ 37 ْ } { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ْ }
وكان سبب نزول هذه الآيات ، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه وأن أزواجهم ، لا جناح على من تبناهم ، في نكاحهن .
وكان هذا من الأمور المعتادة ، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله ، وفعلاً ، وإذا أراد اللّه أمرًا ، جعل له سببًا ، وكان زيد بن حارثة يدعى " زيد بن محمد " قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فصار يدعى إليه حتى نزل { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ْ } فقيل له : " زيد بن حارثة " .
وكانت تحته ، زينب بنت جحش ، ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكان قد وقع في قلب الرسول ، لو طلقها زيد ، لتزوَّجها ، فقدر اللّه أن يكون بينها وبين زيد ، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها .
قال اللّه : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ْ } أي : بالإسلام { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ْ } بالعتق{[1]} حين جاءك مشاورًا في فراقها : فقلت له ناصحًا له ومخبرًا بمصلحته{[2]} مع وقوعها في قلبك : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ْ } أي : لا تفارقها ، واصبر على ما جاءك منها ، { وَاتَّقِ اللَّهَ ْ } تعالى في أمورك عامة ، وفي أمر زوجك خاصة ، فإن التقوى ، تحث على الصبر ، وتأمر به .
{ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ْ } والذي أخفاه ، أنه لو طلقها زيد ، لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم .
{ وَتَخْشَى النَّاسَ ْ } في عدم إبداء ما في نفسك { وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ْ }{[3]} وأن لا تباليهم شيئًا ، { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ْ } أي : طابت نفسه ، ورغب عنها ، وفارقها . { زَوَّجْنَاكَهَا ْ } وإنما فعلنا ذلك ، لفائدة عظيمة ، وهي : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ } حيث رأوك تزوجت ، زوج زيد بن حارثة ، الذي كان من قبل ، ينتسب إليك .
ولما كان قوله : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ } عامًا في جميع الأحوال ، وكان من الأحوال ، ما لا يجوز ذلك ، وهي قبل انقضاء وطره منها ، قيد ذلك بقوله : { إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ْ } أي : لا بد من فعله ، ولا عائق له ولا مانع .
وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة ، فوائد ، منها : الثناء على زيد بن حارثة ، وذلك من وجهين :
أحدهما : أن اللّه سماه في القرآن ، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره .
والثاني : أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه ، أي : بنعمة الإسلام والإيمان . وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن ، ظاهرًا وباطنًا ، وإلا ، فلا وجه لتخصيصه بالنعمة ، لولا أن المراد بها ، النعمة الخاصة .
ومنها : أن المُعْتَق في نعمة الْمُعْتِق .
ومنها : جواز تزوج زوجة الدَّعِيّ ، كما صرح به .
ومنها : أن التعليم الفعلي ، أبلغ من القولي ، خصوصا ، إذا اقترن بالقول ، فإن ذلك ، نور على نور .
ومنها : أن المحبة التي في قلب العبد ، لغير زوجته ومملوكته ، ومحارمه ، إذا لم يقترن بها محذور ، لا يأثم عليها العبد ، ولو اقترن بذلك أمنيته ، أن لو طلقها زوجها ، لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما ، أو يتسبب بأي سبب كان ، لأن اللّه أخبر أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، أخفى ذلك في نفسه .
ومنها : أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، قد بلغ البلاغ المبين ، فلم يدع شيئًا مما أوحي إليه ، إلا وبلغه ، حتى هذا الأمر ، الذي فيه عتابه .
وهذا يدل ، على أنه رسول اللّه ، ولا يقول إلا ما أوحي إليه ، ولا يريد تعظيم نفسه .
ومنها : أن المستشار مؤتمن ، يجب عليه -إذا استشير في أمر من الأمور- أن يشير بما يعلمه أصلح للمستشير{[4]} ولو كان له حظ نفس ، فتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه .
ومنها : أن من الرأي : الحسن لمن استشار في فراق زوجته أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال ، فهو أحسن من الفرقة .
ومنها : [ أنه يتعين ]{[5]} أن يقدم العبد خشية اللّه ، على خشية الناس ، وأنها أحق منها وأولى .
ومنها : فضيلة زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين ، حيث تولى اللّه تزويجها ، من رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، من دون خطبة ولا شهود ، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وتقول زوجكن أهاليكن ، وزوجني اللّه من فوق سبع سماوات .
ومنها : أن المرأة ، إذا كانت ذات زوج ، لا يجوز نكاحها ، ولا السعي فيه وفي أسبابه ، حتى يقضي زوجها وطره منها ، ولا يقضي وطره ، حتى تنقضي عدتها ، لأنها قبل انقضاء عدتها ، هي في عصمته ، أو في حقه الذي له وطر إليها ، ولو من بعض الوجوه .
ولما كان قد أخبره{[55626]} سبحانه - كما رواه البغوي{[55627]} وغيره عن سفيان بن عيينة عن علي ابن{[55628]} جدعان عن زين العابدين علي{[55629]} بن الحسين بن علي بن أبي طالب - أن زينب رضي الله عنها ستكون من أزواجه وأن زيداً سيطلقها ، وأخفى {[55630]}في نفسه ذلك{[55631]} تكرماً وخشية من قالة الناس أنه يريد نكاح زوجة ابنه ، وكان في إظهار ذلك أعلام من أعلام النبوة ، وكان مبنى أمر الرسالة على إبلاغ الناس{[55632]} ما أعلم الله{[55633]} به أحبوه أو كرهوه ، وأن لا يراعي غيره ، ولا يلتفت إلى سواه وإن كان في ذلك خوف ذهاب النفس ، فإنه كافٍ{[55634]} من أراد بعزته ، ومتقن من أراد بحكمته ، كما أخذ الله الميثاق به{[55635]} من النبيين كلهم ومن محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم صلى الله عليهم وسلم ، فكان من{[55636]} المعلوم أن التقدير{[55637]} : اذكر ما أخذنا منك ومن النبيين من الميثاق على إبلاغ كل شيء أخبرناكم به ولم ننهكم من إفشائه وما أخذنا على الخلق في كل من طاعتك ومعصيتك ، عطف عليه قوله : { وإذ تقول } وذلك لأن الأكمل يعاتب على بعض الكمالات لعلو درجته عنها وتحليه بأكمل منها من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين " ، وبين شرفه بقوله : { للذي أنعم الله } أي الملك الذي له كل كمال { عليه } أي بالإسلام وتولى نبيه صلى الله عليه وسلم إياه بعد الإيجاد والتربية ، وبين منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { وأنعمت عليه } أي بالعتق والتبني حين استشارك{[55638]} في فراق زوجه الذي أخبرك الله أنه يفارقها وتصير زوجتك : { أمسك عليك زوجك } أي زينب { واتق الله } أي{[55639]} الذي له جميع العظمة في جميع أمرك ولا سيما ما يتعلق بحقوقها ولا تغبنها بقولك : إنها تترفع عليّ - ونحو ذلك { وتخفي } أي والحال أنك تخفي ، أي تقول له مخفياً { في نفسك } أي مما أخبرك الله من أنها ستصير إحدى زوجاتك عن طلاق زيد { ما الله مبديه } أي بحمل زيد على تطليقها وإن أمرته أنت بإمساكها وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها ، وهو{[55640]} دليل على أنه ما أخفى {[55641]}غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عن طلاق زيد لأن الله تعالى ما أبدى غير ذلك ولو أخفى{[55642]} غيره لأبداه سبحانه لأنه لا يبدل القول لديه ، روى البخارى{[55643]} عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذه الآيات نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة رضي الله عنهما .
ولما ذكر إخفاءه ذلك ، ذكر علته فقال عاطفاً على " تخفي " : { وتخشى الناس } أي من{[55644]} أن تخبر بما أخبرك الله به فيصوبوا{[55645]} إليك مرجمات الظنون لا سيما اليهود والمنافقون { والله } أي والحال أن{[55646]} الذي لا شيء أعظم منه { أحق أن تخشاه } أي وحده ولا تجمع خشية الناس مع خشيته في أن تؤخر شيئاً أخبرك به لشيء يشق عليك حتى يفرق لك فيه أمر ، قالت عائشة رضي الله عنها{[55647]} : لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآية .
ولما علم من هذا أنه سبحانه أخبره بأن زيداً سيطلقها وأنها ستصير زوجاً له من طلاق زيد إياها ، سبب عنه قوله عاطفاً عليه : { فلما قضى زيد منها وطراً } أي حاجة من زواجها والدخول بها ، وذلك بانقضاء عدتها منه لأنه به{[55648]} يعرف أنه لا حاجة له فيها ، وأنه قد تقاصرت عنها همته ، وطابت عنها نفسه ، وإلا لراجعها { زوجناكها } ولم نحوجك إلى ولي من الخلق يعقد لك عليها ، تشريفاً لك ولها ، بما لنا من العظمة التي خرقنا بها عوائد الخلق حتى أذعن لذلك كل من علم به ، وسرت به جميع النفوس ، ولم يقدر منافق ولا غيره على الخوض في ذلك ببنت شفة{[55649]} مما يوهنه ويؤثر فيه ، روى مسلم في صحيحه{[55650]} عن أنس رضي الله عنه قال : لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد{[55651]} : اذهب فاذكرها علي ، فانطلق زيد رضي الله عنه حتى أتاها وهي تخمر عجينها ، قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن انظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {[55652]}ذكرها ، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت : يا زينب ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم{[55653]} يذكرك ، قالت{[55654]} : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن ، {[55655]}وجاء{[55656]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ، قال : ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى{[55657]} امتد النهار ، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون فذكره ، وسيأتي . وقال البغوي{[55658]} : قال الشعبي : كانت زينب رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل{[55659]} بهن : جدي وجدك واحد ، وأني أنكحينك الله في السماء ، وأن السفير{[55660]} لجبريل عليه السلام .
ولما ذكر سبحانه التزويج على ما له من العظمة ، ذكر علته دالاً على أن الأصل مشاركة الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام وأن لا خصوصية إلا بدليل{[55661]} فقال : { لكي لا يكون على المؤمنين } أي الذين أزالت عراقتهم في الإيمان حظوظهم { حرج } أي ضيق { في أزواج أدعيائهم } أي الذين تبنوا بهم وأجروهم{[55662]} في تحريم أزواجهم مجرى أزواج البنين على الحقيقة{[55663]} { إذا{[55664]} قضوا منهن وطراً } أي حاجة بالدخول بهن ثم الطلاق وانقضاء العدة .
ولما علم سبحانه أن ناساً يقولون في هذه الواقعة أقوالاً شتى ، دل على ما قاله زين العابدين بقوله : { وكان أمر الله } أي من{[55665]} الحكم بتزويجها وإن كرهت وتركت إظهار ما أخبرك الله به كراهية لسوء القالة{[55666]} واستحياء من ذلك ، وكذا كل أمر يريده سبحانه { مفعولاً * } لأنه سبحانه له الأمر كله لا راد لأمره ولا معقب لحكمه .