قولا ثقيلا : شاقا على المكلّفين ، أو له وزن واعتبار حيث يكون سببا في هداية أمّة .
1- إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا .
أي : تهيأ روحيا بقيام الليل ، واستعد للمناجاة والصلاة والتهجد ، وشفافية الروح والعبادة والمناداة ، لأن وحيا ثقيلا من عالم الغيب ، سيصل إليك مع جبريل الروح الأمين .
أو لأن هذا القرآن كلام الله ، مشتمل على الأمر والنهي والحلال والحرام ، والتشريع والقصص ، وهو كلام له وزن وقيمة وثقل ، وليس كلاما سفسافا لا ثقل له .
أو هو ثقيل في ميزان العبد يوم القيامة .
أو هو يحرّك القلب والنفس والفؤاد إلى معرفة الخالق ، والتجاوب مع هذا الكون الخاضع لأمر الله تعالى .
قال تعالى : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون . ( الحشر : 21 ) .
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد وإن جبينه ليتفصد عرقا . iv .
وقال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير :
والمراد من كونه ثقيلا هو عظم قدره وجلاله خطره ، وكل شيء عظم خطره فهو ثقيل ، وهذا معنى قول ابن عباس : قولا ثقيلا . يعني كلاما عظيما .
قوله تعالى : " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " هو متصل بما فرض من قيام الليل ، أي سنلقي عليك بافتراض صلاة الليل قولا ثقيلا يثقل حمله ؛ لأن الليل للمنام ، فمن أمر بقيام أكثره لم يتهيأ له ذلك إلا بحمل شديد على النفس ومجاهدة للشيطان ، فهو أمر يثقل على العبد . وقيل : إنا سنوحي إليك القرآن ، وهو قول ثقيل يثقل العمل بشرائعه . قال قتادة : ثقيل والله فرائضه وحدوده . مجاهد : حلاله وحرامه . الحسن : العمل به . أبو العالية : ثقيلا بالوعد والوعيد والحلال والحرام . محمد بن كعب : ثقيلا على المنافقين . وقيل : على الكفار ؛ لما فيه من الاحتجاج عليهم ، والبيان لضلالتهم وسب آلهتهم ، والكشف عما حرفه أهل الكتاب . السدي : ثقيل بمعنى كريم ؛ مأخوذ من قولهم : فلان ثقيل علي ، أي يكرم علي . الفراء : " ثقيلا " رزينا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا . وقال الحسين بن الفضل : ثقيلا لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق ، ونفس مزينة بالتوحيد . وقال ابن زيد : هو والله ثقيل مبارك ، كما ثقل في الدنيا يثقل في الميزان يوم القيامة . وقيل : " ثقيلا " أي ثابتا كثبوت الثقيل في محله ، ويكون معناه أنه ثابت الإعجاز ، لا يزول إعجازه أبدا . وقيل : هو القرآن نفسه ، كما جاء في الخبر : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها - يعني صدرها - على الأرض ، فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى{[15505]} عنه . وفي الموطأ وغيره أنه عليه السلام سئل : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : ( أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ) . قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا .
قال ابن العربي : وهذا أولى ؛ لأنه الحقيقة ، وقد جاء : " وما جعل عليكم في الدين من حرج " [ الحج : 78 ] . وقال عليه السلام : " بعثت بالحنيفية السمحة " . وقيل : القول في هذه السورة : هو قول لا إله إلا الله ؛ إذ في الخبر : خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان . ذكره القشيري .
ولما كان المراد منه صلى الله عليه وسلم الثبات للنبوة ومن أمته الثبات {[69408]}في الاقتداء{[69409]} به في العمل والأمر والنهي ، وكان ذلك في غاية الصعوبة ، وكان الإنسان عاجزاً إلا بإعانة مولاه ، وكان العون النافع إنما يكون لمن صفت نفسه عن الأكدار وأشرقت بالأنوار ، وكان ذلك إنما يكون بالاجتهاد في خدمته سبحانه ، علل هذا الأمر بقوله مبيناً للقرآن الذي أمر بقراءته ما هو وما وصفه ، معلماً أن التهجد يعد للنفس من القوى ما به يعالج المشقات ، مؤكداً لأن الإتيان بما هو خارج عن جميع أشكال الكلام لا يكاد يصدق : { إنا } أي بما لنا من العظمة { سنلقي } أي قريباً بوعد لا خلف فيه فتهيأ{[69410]} لذلك بما يحق له .
ولما كان المقام لبيان الصعوبة ، عبر بأداة الاستعلاء فقال : { عليك } وأشار إلى اليسر مع ذلك إشارة إلى
{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }[ القمر : 17 ] بالتعبير بما تدور مادته على اليسر والخفة فقال : { قولاً } يعني القرآن { ثقيلاً * } أي لما فيه من التكاليف الشاقة من جهة-{[69411]} حملها وتحميلها للمدعوين{[69412]} لأنها تضاد الطبع وتخالف النفس ، ومن جهة رزانة لفظه لامتلائه بالمعاني مع جلالة{[69413]} معناه وتصاعده في خفاء فلا يفهمه المتأمل ويستخرج ما فيه من الجواهر إلا بمزيد فكر وتصفية سر وتجريد نظر ، فهو ثقيل على الموافق من جميع هذه الوجوه وغيرها ، وعلى المخالف من جهة أنه لا يقدر على رده ولا يتمكن من طعن فيه بوجه مع أنه ثقيل في الميزان وعند تلقيه وله وزن وخطر وقدر عظيم ، روي في الصحيح{[69414]} : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الوحي يفصم عنه وإن جبينه ليتفصد{[69415]} عرقاً في اليوم الشاتي الشديد البرد " وكان –صلى الله عليه وسلم _ إذا أنزل عليه الوحي وهو راكب على ناقته{[69416]} وضعت جرانها فلا تكاد تتحرك حتى يسري عنه " قال القشيري : وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سورة الأنعام{[69417]} نزلت عليه جملة واحدة{[69418]} وهو راكب فبركت ناقته من ثقل القرآن{[69419]} وهيبته ، وهو مع ثقله على الأركان خفيف على اللسان سهل التلاوة والحفظ على الإنسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.