تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (21)

الهداية للإسلام .

{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ( 21 ) أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ( 22 ) الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ( 23 ) }

المفردات :

فسلكه ينابيع : أي : أدخله في الأرض فصار جاريا تحتها ، ينبع منها فكان بذلك ينابيع .

مختلفا ألوانه : ما بين أخضر وأبيض وأحمر وأصفر ، وأنواعه من بر وشعير وذرة وفول وعدس .

ثم يهيج فتراه مصفرا : ييبس فتراه أيها الرائي بعد الخضرة مصفرا .

حطاما : فتاتا متكسرا .

التفسير :

21- { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب } .

ألم تر أيها النبي ، ويا كلّ من تتأتّى منه الرؤية ، أن الله تعالى يسبب الأسباب لنزول الأمطار ، مثل شروق الشمس ، وإرسال أشعتها على المحيطات ، وتصاعد البخر إلى السماء ، ووجود السحاب الذي تحركه الرياح ، ثم يتساقط مطرا ، فينزل جانب منه في باطن الأرض ، ثم تتفجر منه الينابيع والعيون والأفلاج ، التي تسقي الزروع المختلفة الألوان ، فمنها الأخضر ومنها الأحمر ومنها الأبيض ومنها الأصفر ، وكذلك الزروع المختلفة الأنواع كالقمح والذرة والأزر ، والفول والعدس والبرسيم والقثاء ، والبطيخ والشمّام والخيار والدبّاء والخضراوات ، وغير ذلك من الأصناف والألوان ، التي تبهج النفس ، وتقدم الغذاء والفاكهة والطعام للإنسان والحيوان والحشرات والطيور ، وغيرها من الزواحف وسائر المخلوقات ، وبذلك يعمر الكون وتستمر الحياة ، ويتعظ أولوا الألباب وأصحاب العقول ، بأن الماء تسبب في إنبات الزروع المختلفة ، وأنها نبتت ثم اخضرت ، وصارت بهجة للناظرين فترة محدودة ، ثم يبست واصفرت وتكسرت ، وصارت حطاما ، وكذلك الحياة الدنيا تنتهي في وقت محدد ، ويعقبها البعث والحشر والجزاء .

قال تعالى : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح ، وكان الله على كل شيء مقتدرا } . ( الكهف : 45 ) .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (21)

{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه } : أدخل ذلك الماء { ينابيع في الأرض } : وهي المواضع التي ينبع منها الماء وكل ماء في الأرض فمن السماء نزل { ثم يخرج به } بذلك الماء { زرعا مختلفا ألوانه } خضرة وحمرة وصفرة { ثم يهيج } ييبس { فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما } دقاقا فتاتا { إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب } يذكرون ما لهم من الدلالة في هذا على توحيد الله تعالى وقدرته .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (21)

ولما أخبر سبحانه بقدرته على البعث ، دل عليها بما يتكرر مشاهدته من مثلها ، وخص المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخطاب حثاً على تأمل هذا الدليل تنبيهاً على عظمته فقال مقدراً : { ألم تر } أي مما يدلك على قدرته سبحانه على إعادة ما اضمحل وتمزق ، وأرفت وتفرق : { أن الله } أي الذي له كل صفة كمال { أنزل من السماء } أي التي لا يستمسك الماء فيها إلا بقدرة باهرة تقهره على ذلك { ماء } كما تشاهدونه في كل عام { فسلكه } أي في خلال التراب حال كونه { ينابيع } أي عيوناً فائرة { في الأرض } فقهره على الصعود بعد أن غيبه في أعماقها بالفيض والصوب بعد أن كان قسره على الانضباط في العلو ثم أكرهه على النزول على مقدار معلوم وكيفية مدبرة وأمر مقسوم ، قال الشعبي والضحاك : كل ماء في الأرض من السماء ينزل إلى الصخرة ثم يقسم منها العيون والركايا .

ولما كان إخراج النبات متراخياً عن نزول المطر ، عبر بثم ، وفيها أيضاً تنبيه على تعظيم الأمر فيما تلاها بأنه محل الشاهد فقال : { ثم يخرج } أي الله { به } أي الماء { زرعاً } ولما كان اختلاف المسبب مع اتحاد السبب أعجب في الصنعة وأدل على بديع القدرة ، قال : { مختلفاً ألوانه } أي في الأصناف والكيفيات والطبائع والطعوم وغير ذلك مع اتحاد الماء الذي جمعه من أعماق الأرض بعد أن تفتت فيها وصار تراباً .

ولما كان الإيقاف بعد قوة الإشراف دالاً على القهر ونفوذ الأمر ، قال إشارة إلى أن الخروج عن الحد غير محمود في شيء من الأشياء فإنه يعود عليه بالنقص { ثم يهيج } وزاد في تعظيم هذا المعنى للحث على تدبره بإسناده إلى خير الخلق صلى الله عليه وسلم فقال : { فتراه } أي فيتسبب عن هيجه وهو شدة ثورانه في نموه بعد التمام بتوقيع الانصرام أنك تراه { مصفراً } آخذاً في الجفاف بعد تلك الزهرة والبهجة والنضرة . ولما كان السياق لإظهار القدرة التامة ، عبر بالجعل مسنداً إليه سبحانه بخلاف آية الحديد التي عبر فيها بالكون لأن السياق ثَم لأن الدنيا عدم فقال : { ثم يجعله حطاماً } أي مكسراً مفتتاً بالياً .

ولما تم هذا على المنوال البديع الدال بلا شك لكل من رآه على أن فاعله قادر على الإعادة لما يريد بعد الإبادة ، كما قدر على الإيجاد من العدم والإفادة لكل ما لم يكن ، قال على سبيل التأكيد للتنبيه على أن إنكارهم غاية في الحمق والجمود : { إن في ذلك } أي التدبير على هذا الوجه { لذكرى } أي تذكيراً عظيماً واضحاً على البعث وما يكون بعده ، فإن النبات كالإنسان سواء ، يكون ماء ، ثم ينعقد بشراً ، ثم يخرج طفلاً ، ثم يكون شاباً ، ثم يكون كهلاً ، ثم شيخاً ثم هرماً ، ثم تراباً مفتتاً في الأرض ، ثم يجمعه فيخرجه كما أخرج الماء النبات : { لأولي الألباب * } أي العقول الصافية جداً كما نبه عليه بخصوص الخطاب في أول هذا الباب للمنزل عليه هذا الكتاب ، وأما غيره وغير من تبعه بإحسان فهم كبهائم الحيوان .