لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (21)

قوله جل ذكره : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ } :

أخبر أنه يُنْزِلُ من السماءِ المطرَ فيُخْرِجُ به الزرعَ فيخضرّ ، ثم يأخذ في الجفاف ، ثم يصير هشيماً . . . والإشارةُ من هذا إلى الإنسان ، يكون طفلاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً ثم يصير إلى أرذل العمر ثم في آخره يخترم .

ويقال إن الزَّرْعَ ما لم يأخذْ في الجفاف لا يُؤْخَذُ منه الحَبُّ ، فالحبُّ هو المقصود منه . كذلك الإنسان ما لم يحصلْ من نَفْسه وصولٌ لا يكون له قَدْرٌ ولا قيمةٌ .

ويقال إن كَوْنَ المؤمنِ بقوة عقله يوجِبُ استفادةً له بعلمه إلى أَنْ يبدوَ منه كمالٌ يُمكِّنُ من أنوار بصيرته ، ثم إذا بدت لائحةٌ من سلطان المعارف تصير تلك الأنوار مغمورة . فإذا بَدَتْ أنوارُ التوحيد استهلكت تلك الجملة ، قالوا :

فلمَّا استبان الصبحُ أدرج ضوءُه *** بأَنواره أنوارَ تلك الكواكب