غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (21)

1

حين وصف الآخرة بصفات توجب الرغبة فيها أراد أن يصف الدنيا بما يقتضي النفرة عنها فقدم لذلك مقدمة يستدل بها على حقية الصانع أيضاً فقال : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه } أي أدخله في الأرض حال كون ذلك الماء { ينابيع } مثل الدم في العروق . والينابيع جمع ينبوع وهو كل ماء يخرج من الأرض . وقيل : هو الموضع الذي يخرج منه الماء كالعيون والآبار فينصب على الظرف . وقوله { ثم يخرج } على لفظ المستقبل تصوير لتلك الحالة العجيبة الشأن وهي إخراج النبت المختلف الألوان والأصناف والخواص بسبب الماء المخالط للأرض { ثم يهيج } أي يتم جفافه . قال الأصمعي : لأنه إذا تم جفافه جاز له أن يثور عن منابته ويذهب { ثم يجعله حطاماً } أي فتاتاً متكسراً { إن في ذلك } الذي ذكر من إنزال الماء وإخراج الزرع بسببه { لذكرى } لتذكيراً أو تنبيهاً على وجود الصانع { لأولي الألباب } وفيه أن الإنسان وإن طال عمره فلابدّ له من الانتهاء إلى حالة اصفرار اللون وتحطم الأجزاء والأعضاء بل إلى الموت والفناء . وإنما قال ههنا { ثم يجعله حطاماً } وفي الحديد { ثم يكون حطاماً } [ الحديد : 20 ] لأن الفعل هناك مسند إلى النبات وهو قوله { أعجب الكفار نباته } وههنا مسند إلى الله من قوله { أنزل } إلى آخره .