المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (21)

ثم وقف نبيه صلى الله عليه وسلم على معتبر من مخلوقاته ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكل بشر داخل معه في معناه . وقال الطبري وغيره : أشار إلى ماء المطر ، وقالوا : العيون منه ، ودليل ذلك أنها تنماع عن وجوده وتيبس عند فقده . وقال الحسن بن مسلم بن يناق ، والإشارة إلى العيون وليست العيون من المطر ، ولكن ماؤها نازل من السماء . قال الشعبي : وكل ماء عذب في الأرض فمن السماء نزل .

قال القاضي أبو محمد : والقولان متقاربان : و : { سلكه } معناه : أجراه وأدخله ، ومنه قول الشاعر [ البسيط ]

حتى سلكن الشوى منهن في مسك*** من نسل جوابه الآفاق مهداج

ومنه قول امرىء القيس : [ السريع ]

نطعنهم سلكى ومخلوجة *** كرّك لأمين على نابل

وواحد الينابيع وهو العين بني لها بناء مبالغة من النبع . والزرع هنا واقع على كل ما يزرع . وقالت فرقة : { ألوانه } أعراضه من الحمرة والصفرة وغير ذلك . وقالت فرقة : { ألوانه } أنواعه من القمح والأرز . والذرة وغير ذلك . و : { يهيج } ييبس ، هاج النبات والزرع إذا يبس ، ومنه قول علي رضي الله عنه في الحديث الذي في غريب ابن قتيبة : ذمتي رهينة وأنا به زعيم . أي لا يهيج عن التقوى زرع قوم ، ولا ييبس على التقوى سنخ أصل والحديث " . والحطام : اليابس المتفتت . ومعنى قوله : { لذكرى } أي للبعث من القبور وإحياء الموتى على ما يوجبه هذا المثال المذكور .