تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} (6)

التفسير :

5 ، 6- فإنّ مع العسر يسرا* إنّ مع العسر يسرا .

إن مع الشدة فرجا ، ومع الصبر والكفاح نجاحا وفلاحا ، وقد حدثت للدعوة الإسلامية وللمسلمين في فجر الإسلام مضايقات من كفار مكة ، فنزلت هذه الآيات تؤكد لهم أن مع العسر والضيق وتكالب كفار مكة على الإسلام ، سيأتي يسر وفرج ، فقد تمت الهجرة وتم نصر المسلمين في بدر ، وتوالي نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا .

والآية السادسة تكرير وتأكيد للآية الخامسة ، ويحتمل أن يكون لها معنى جديد ، وهو قدوم اليسر والنصر العظيم ، والغنى والفرج والمغانم .

حيث كان كفار مكة يعيّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالفقر ، فنزلت الآيات تبشّره بأن الشدة ستزول ، وأن اليسر سيأتي بعد العسر ، وبالفعل أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمّته ، ففتح الله له البلاد ، ودان له العباد ، ودخل الناس في الإسلام أفواجا وجماعات ، وبلادا وأمما .

قال الشاعر :

ولربّ نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعا وعند الله منها المخرج

كملت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} (6)

{ إن مع العسر يسرا } تكرار للتأكيد ، وقيل إن هذا عام في كل عسر أصاب المؤمن ، وهو من الله تعالى على وعد اليسر إما في الدنيا وإما في الآخرة ، فالعسر واحد واليسر اثنان .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} (6)

قوله تعالى : { فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا }

أي إن مع الضيقة والشدة يسرا ، أي سعة وغنى . ثم كرر فقال : " إن مع العسر يسرا " ، فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام ، كما يقال : ارم ارم ، اعجل اعجل ، قال اللّه تعالى : " كلا سوف{[16171]} تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون " [ التكاثر : 3 ] . ونظيره في تكرار الجواب : بلى بلى ، لا لا . وذلك للإطناب والمبالغة . قاله الفراء . ومنه قول الشاعر :

هممتُ بنفسيَ بعضَ الهموم *** فأولَى لنفسي أولَى لها{[16172]}

وقال قوم : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه ، فهو هو . وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره . وهما اثنان ، ليكون أقوى للأمل ، وأبعث على الصبر . قاله ثعلب . وقال ابن عباس : يقول اللّه تعالى خلقت عسرا واحدا ، وخلقت يسرين ، ولن يغلب عسر يسرين . وجاء في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه السورة : أنه قال : [ لن يغلب عسر يسرين ] . وقال ابن مسعود{[16173]} : والذي نفسي بيده ، لو كان العسر في حجر ، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، ولن يغلب عسر يسرين . وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم ، وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر رضي اللّه عنهما : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة ، يجعل اللّه بعده فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن اللّه تعالى يقول في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{[16174]} " [ آل عمران : 200 ] . وقال قوم منهم الجرجاني : هذا قول مدخول ؛ لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا ، إن مع الفارس سيفا ، أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان . والصحيح أن يقال : إن اللّه بعث نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم مُقِلاًّ مُخِفًّا ، فعيره المشركون بفقره ، حتى قالوا له : نجمع لك مالا ، فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره ، فعزاه اللّه ، وعدد نعمه عليه ، ووعده الغنى بقوله : " فإن مع العسر يسرا " أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر ، فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا ، أي في الدنيا . فأنجز له ما وعده ، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن ، ووسع ذات يده ، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ويعد لأهله قوت سنة . فهذا الفضل كله من أمر الدنيا ، وإن كان خاصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء اللّه تعالى . ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى اللّه عليه وسلم ، فقال مبتدئا : " إن مع العسر يسرا " فهو شيء آخر . والدليل على ابتدائه ، تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على العطف . فهذا وعد عام لجميع المؤمنين ، لا يخرج أحد منه ، أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة . وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة . والذي في الخبر : [ لن يغلب عسر يسرين ] يعني العسر الواحد لن يغلبهما ، وإنما يغلب أحدهما إن غلب ، وهو يسر الدنيا ، فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة ، ولن يغلبه شيء . أو يقال : " إن مع العسر " وهو إخراج أهل مكة النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة " يسرا " ، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل ، مع عز وشرف .


[16171]:آية 3 سورة ألهاكم.
[16172]:البيت للخنساء. ويروى: * هممت بنفسي كل الهموم *
[16173]:أي في روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[16174]:آية سورة آل عمران.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} (6)

ولما كان العسر مكروهاً إلى النفوس ، وكان لله سبحانه وتعالى فيه حكماً عظيمة ، وكانت الحكم لا تتراءى إلا للأفراد من العباد ، كرره سبحانه وتعالى على طريق الاستئناف لجواب من يقول : وهل بعده من عسر ؟ مؤكداً له ترغيباً في أمره ترقباً لما يتسبب عنه مبشراً بتكريره مع وحدة العسر وإن كان حمل كل واحد منهما على شيء غير ما قصد به الآخر ممكناً فقال : { إن مع العسر } أي المذكور فإنه معرفة ، والمعرفة إذا أعيدت معرفة كانت غير الأولى سواء أريد العهد أو الجنس .

{ يسراً * } أي آخر لدفع المضار والمكاره ، فإن النكرة إذا أعيدت نكرة احتمل أن تكون غير الأولى ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنها غيرُها " فقال الحسن البصري : إن الآية لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين " ، وقد روى هذا من أوجه كثيرة ، وروى عبد الرزاق عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يخرجه " ، وللطبراني عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ، قال الحافظ نور الدين الهيثمي : وفيه أبو مالك النخعي وهو ضعيف ، ورواه الطبراني أيضاً في الأوسط والبزار عن أنس رضي الله عنه بنحوه ، قال الهيثمي : وفيه عائذ بن شريح وهو ضعيف ، وروى الفراء عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو يضحك ويقول : " لن يغلب عسر يسرين " ، وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن الحسن به مرسلاً ، ومن طريقه أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب ، ورواه الطبري من طريق ابن ثور عن معمر ، ورواه ابن مردويه من طريق أخرى موصولاً وإسناده ضعيف ، وفي الباب عن عمر ذكره مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه أنه بلغه أن أبا عبيدة رضي الله عنه حضر بالشام فكتب إليه كتاباً فيه " ولن يغلب عسر يسرين " ، ومن طريقه رواه الحاكم ، قال ذلك شيخنا ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ، وقال : وهذا أصح طرقه - انتهى ، وهذا من جهة أن اليسر نكرة والعسر معرفة ، وقد اشتهر أن النكرة إذا أعيدت نكرة فالثاني غير الأول ، والمعرفة بالعكس ، قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في أول تلويحه في الكلام على المعرفة والنكرة : الكلام فيما إذا أعيد اللفظ الأول إما مع كيفيته من التنكير والتعريف أو بدونها ، وحينئذ يكون طريق التعريف هو اللام أو الإضافة ليصح إعادة المعرفة نكرة وبالعكس ، وتفصيل ذلك أن المذكور أولاً إما أن يكون نكرة أو معرفة ، وعلى التقديرين إما أن يعاد نكرة أو معرفة فيصير أربعة أقسام ، وحكمها أن ينظر إلى الثاني ، فإن كان نكرة فهو مغاير للأول ، وإلا لكان المناسب هو التعريف بناء على كونه معهوداً سابقاً بالذكر ، إن كان معرفة فهو الأول حملاً له على المعهود الذي هو الأصل في اللام والإضافة ، وذكر في الكشف أنه إذا أعيدت النكرة نكرة فالثاني مغاير للأول لكان بعينه فإن المعرفة تستغرق الجنس ، والنكرة تتناول البعض ، فيكون داخلاً في الكل سواء قدم أو أخر ، وفيه نظر ، أما أولاً فلأن التعريف لا يلزم أن تكون للاستغراق بل العهد هو الأصل ، وعند تقدم المعهود لا يلزم أن تكون النكرة عينه ، وأما ثانياً فلأن معنى كون الثاني عين الأول أن يكون المراد به هو المراد بالأول ، والجزء بالنسبة إلى الكل ليس كذلك ، وأما ثالثاً فإن إعادة المعرفة نكرة مع مغايرة الثاني للأول كثير في الكلام ، قال الله تعالى :

{ ثم آتينا موسى الكتاب تماماً }[ الأنعام : 154 ] إلى قوله :{ وهذا كتاب أنزلناه }[ الأنعام : 155 ] وقال تعالى : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " [ البقرة : 36 ] وقال تعالى :{ ورفع بعضكم فوق بعض درجات }[ الأنعام : 165 ] إلى غير ذلك ، وقال غيره : { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء }[ النساء : 153 ] ومنه قول الشاعر :

إذا الناس ناس والزمان زمان ***

فإن الثاني لو كان عين الأول لم يكن في الإخبار به فائدة - انتهى .

قال : واعلم أن المراد أن هذا هو الأصل عند الإطلاق وخلو المقام عن القرائن ، وإلا فقد تعاد النكرة مع عدم المغايرة ، كقوله تعالى :

{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله }[ الزخرف : 84 ]

{ وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية }[ الأنعام : 37 ]

{ ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة }[ الروم : 54 ] يعني قوة الشباب ، ومنه باب التأكيد اللفظي ، وقد تعاد النكرة معرفة مع المغايرة كقوله تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } إلى قوله : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا }[ الأنعام : 156 ] وقال غيره :{ فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير }[ النساء : 128 ] المراد بالنكرة خاص وهو الصلح بين الزوجين ، وبالمعرفة عام في كل صلح جائز{ زدناهم عذاباً فوق العذاب }[ النحل : 88 ] فإن الشيء لا يكون فوق نفسه - انتهى .

قال : وقد تعاد المعرفة معرفة مع المغايرة كقوله تعالى :{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب }[ المائدة : 48 ] وقال غيره :{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء }[ آل عمران : 26 ] الأول عام والثاني خاص ، { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }[ الرحمن : 60 ] الأول العمل والثاني الثواب{ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }[ المائدة : 45 ] الأولى القاتلة والثانية المقتولة - انتهى .

قال : وقد تعاد المعرفة نكرة مع عدم المغايرة كقوله تعالى :{ أنما إلهكم إله واحد }[ الكهف : 110 ] ومثله كثير ، والمعرفة مثل النكرة في حالتي الإعادة معرفة والإعادة نكرة في أنها إن أعيدت معرفة كان الثاني هو الأول ، وإن أعيدت نكرة كان غيره ، ثم مثل بالآية التي هنا ، وقال : وهذا مبني على أن تنكير { يسراً } للتفخيم وتعريف العسر للعهد ، أي العسر الذي أنتم عليه أو الجنس أي الذي يعرفه كل أحد ، فيكون اليسر الثاني مغايراً للأول بخلاف العسر - انتهى . وقال في الكشاف : وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس ، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً عن منكر تناول بعضاً غير البعض الأول بغير الإشكال .