السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} (6)

وقوله تعالى : { إنّ مع العسر ويسراً } استئناف وعد الله تعالى بأن العسر متبوع بيسر آخر كثواب الآخرة ، كقولك : للصائم فرحة ، ثم فرحة ، أي : فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء الرب ، ويجوز أن يراد باليسرين ما تيسر من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تيسر لهم أيام الخلفاء وقيل : تكرير .

فإن قيل : ما معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنهما : لن يغلب عسر يسرين ، وقد روي مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم «خرج ذات يوم وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين » أجيب : بأن هذا حمل على الظاهر وبناء على قوّة الرجاء ، وأنّ موعد الله لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ وأبلغه ، والقول عنه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى كما كرر في قوله تعالى : { ويل يومئذ للمكذبين } [ المرسلات : 15 ] لتقرير معناها في النفوس ، وتمكينها في القلوب ، وكما تكرر المفرد في قولك : زيد زيد . وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردف بيسر لا محالة ، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر فهما يسران على تقدير الاستئناف .

وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو إما أن يكون تعريفه للعهد ، وهو العسر الذي كانوا فيه فهو هو ، لأنّ حكمه حكم زيد في قولك : إنّ مع زيد مالاً إنّ مع زيد مالاً ، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضاً .

وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس ، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرر فقد تناول بعضاً غير البعض الأوّل بغير إشكال ، أو بأن لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعد الله المؤمنين فيها واليسر الذي وعدهم في الآخرة إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فدائم غير زائل ، أي : لا يجتمعان في الغلبة كقوله صلى الله عليه وسلم «شهرا عيد لا ينقصان » ، أي : لا يجتمعان في النقصان . فإن قيل : فما معنى التنكير ؟ أجيب : بأنه للتفخيم ، كأنه قيل : إنّ مع العسر يسراً عظيماً وأي يسر .

روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يخرجه » . وللطبراني عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لو كان العسر في جحر لدخل اليسر حتى يخرجه » . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية » .