النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} (6)

{ فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً } فيه وجهان :

أحدهما : إن مع اجتهاد الدنيا خير الآخرة .

الثاني : إن مع الشدة رخاء ، ومع الصبر سعة ، ومع الشقاوة سعادة ، ومع الحزونة سهولة .

ويحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن مع العسر يسراً عند الله ليفعل منهما ما شاء .

الثاني : إن مع العسر في الدنيا يسراً في الآخرة .

الثالث : إن مع العسر لمن بُلي يسراً لمن صبر واحتسب بما يوفق له من القناعة أو بما يعطى من السعة .

قال ابن مسعود : والذي نفسي بيده لو كان العسر في حَجَرٍ لطلبه اليسر حتى يدخل عليه " ولن يغلب عسْرٌ يُسْرَين{[3296]} " .

وإنما كان العسر في الموضعين واحداً ، واليسر اثنين ، لدخول الألف واللام على العسر وحذفها من اليسر .

وفي تكرار " مع العسر يسرا " وجهان : أحدهما : ما ذكرنا من إفراد العسر وتثنية اليسر ، ليكون أقوى للأمل وأبعث على الصبر ، قاله ثعلب .

الثاني : للإطناب والمبالغة ، كما قالوا في تكرار الجواب فيقال : بلى بلى ، لا لا ، قاله الفراء وقال الشاعر{[3297]} :

هممتُ بِنْفسيَ بَعْضَ الهُموم *** فأَوْلَى لنفْسِيَ أولى لها .


[3296]:ولن يغلب عسر يسرين: حديث أخرجه عبد الرزاق والحاكم والبيهقي والطبري ومالك في الموطأ مرسلا تارة وموصولا أخرى انظر تخريج أحاديث الكشاف 4/615.
[3297]:هي الخنساء. ويروي: أردت بنفسي.