تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

استئذان الرسول :

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 62 ) } .

التفسير :

62 - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ . . . الآية .

أمر جامع : خطب جلل يستعان فيه بأرباب التجارب والآراء ، كقتال عدو ، أو التشاور في حادث قد عرض .

المعنى العام :

حثت الآيات السابقة على أدب الاستئناس والاستئذان في دخول البيوت ، وفي ختام سورة النور تبين هذه الآية أدب الاستئذان حين الخروج ، ولا سيما إذا كان المؤمنون في أمر عام مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتشاور في قتال أو تدارس حادث عرض ، ومن يلتزم بأدب الجماعة ويحرص على الالتزام بمهامها ؛ فهو كامل الإيمان حقا ، وللرسول أن يأذن لمن شاء منهم إذا استأذنه .

أي : ما المؤمنون حق الإيمان إلا الذين صدقوا الله ورسوله ، وإذا كانوا مع رسوله على أمر يجمعهم : من حرب حضرت ، أو صلاة اجتمع لها ، أو تشاور في أمر نزل ؛ لم ينصرفوا عما اجتمعوا له ، حتى يستأذنوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

روى الترمذي ، والنسائي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإن أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة )259 .

وهذا الاستئذان كما يكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هو كذلك لمن يأتي بعده من خلفائه ، وأمراء النظام الإسلامي في جماعة المسلمين ، فكلما اجتمع المسلمون لغاية اجتماعية – في السلم والحرب – فإنه لا يحل لهم أن ينفضوا من هذا الأمر بدون إذن أميرهم ، ولما كان الإذن كالدليل على الإيمان ، مدح الله الملتزمين به فقال :

إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ . . .

أي : إن الذين لا ينصرفون إذا كانوا معك – أيها الرسول – في أمر جامع إلا بإذنك لهم ، طاعة منهم وتصديقا ، أولئك هم المؤمنون حقا . وتشير الآية إلى أن الاستئذان لا يكون إلا في عذر حقيقي ، وحاجة ماسة ، وأن للرسول وأمير الجماعة بعد الرسول ، أن يأذن أو لا يأذن حتى بعد بيانكم للحاجة والعذر ، فإن له تقدير الموقف ، وترجيح حاجة الجماعة أو حاجة المستأذن .

فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ . . .

أي : بحسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها ، كما وقع لعمر – رضي الله عنه – حين خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ، حيث استأذن في الرجوع إلى أهله ، فأذن له صلى الله عليه وآله وسلم وقال له : ارجع فلست بمنافق ) .

وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ . . .

فيه التنبيه على أن الاستئذان إذا كان فيه أدنى دخل للاحتيال ، أو يريد المستأذن أن يؤثر مصلحته الفردية على المصلحة الجماعية ؛ فإن ذلك موجب للإثم واللوم ، ولأجل ذلك ينبغي للرسول وللخليفة من بعده ، ألا يكتفي بالإذن لمن استأذنه من المسلمين ، بل عليه أن يستغفر لكل من يأذن له .

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .

فهو يغفر الذنب للتائبين ، وهو رحيم لا يعاقبهم على الذنوب بعد توبتهم منها .