التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (102)

قوله تعالى : ( و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم . . . )

قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى بعده يليه مبينا له ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) الآية . وقوله تعالى ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) ويزيده إيضاحا أنه قال هنا ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) وقال في آية البقرة ( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) ؛ لأن معناه فإذا أمنتم فأتموا كيفيتها بركوعها وسجودها وجميع ما يلزم فيها مما يتعذر وقت الخوف . وعلى هذا التفسير الذي دل له القرآن فشرط الخوف في قوله

( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) معتبر أي : وإن لم تخافوا منهم أن يفتنوكم فلا تقصروا من كيفيتها ، بل صلوها على أكمل الهيئات ، كما صرح به في قوله( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) وصرح باشتراط الخوف أيضا لقصر كيفيتها بأن يصليها الماشي والراكب بقوله ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) . ثم قال ( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ) الآية .

قال البخاري : حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال : سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم- يعني صلاة الخوف - ؟ قال : أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : »غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد ، فوازينا العدو فصاففنا لهم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى لنا ، فقامت طائفة معه تصلى ، وأقبلت طائفة على العدو ، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل ، فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم ، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين .

( الصحيح 2/497ح 942- ك صلاة الخوف ، ب صلاة الخوف ) ، وأخرجه مسلم في صحيحه- ك صلاة المسافرين ، ب صلاة الخوف ح 306 ، 305 ) .

قال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان . حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث . حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي . حدثنا عبد الله بن شقيق . حدثنا أبو هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضجنان وعسفان ، فقال المشركون : إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر ، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة ، وإن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقسم أصحابه شطرين فيصلى بهم ، وتقوم طائفة أخرى وراءهم ، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ثم يأتي الآخرون ويصلون معه ركعة واحدة ، ثم يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم ، فتكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان .

قال أبو عيسي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجابر وأبي عياش الزرقي وابن عمر وحذيفة وأبي بكرة وسهل بن أبي حثمة وأبو عياش الزرقي اسمه زيد بن صامت . ( سنن الترمذي 5/243ح3035- ك التفسير ، سورة النساء ) ، وصححه الألباني في ( صحيح سنن الترمذي 3/42 ) . ونقل ابن رجب عن البخاري قوله : حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة : حسن ( علل الترمذي 1/303 ) .

قال أبو داود : وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا قال : حدثني عمي ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة حدثته بهذه القصة ، قالت : كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا معه ، ثم ركع فركعوا ، ثم سجد فسجدوا ، ثم رفع فرفعوا ، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية ، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى ، حتى قاموا من ورائهم ، وجاءت الطائفة الأخرى فقاموا فكبروا ، ثم ركعوا لأنفسهم ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجدوا لأنفسهم الثانية . ثم قامت الطائفتان جميعا فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه فركع فركعوا ، ثم سجد فسجدوا جميعا ، ثم عاد فسجد الثانية وسجدوا معه سريعا كأسرع الإسراع جاهدا لا يألون سراعا ، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شاركه الناس في الصلاة كلها .

( السنن 2/15 ح/ 1242-ك الصلاة ، ب من قال يكبرون جميعا ) ، وأخرجه أحمد في ( مسنده 2/275 ) من طريق : يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق به وفيه : صلى رسول الله بالناس صلاة الخوف بذات الرقاع . . . والحاكم في المستدرك ( 1/336-337 ) من طريق : محمد بن حاتم الدوري ، عن يعقوب به . وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف . ووافقه الذهبي . و إسناده حسن . وقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن أي الروايات في صلاة الخوف أصح ؟ فقال : كل الروايات عندي صحيح وكل يستعمل . ( انظر العلل لابن رجب 1/301 ) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم ) ، وطائفة يأخذون أسلحتهم ويقفون بإزاء العدو ، فيصلي الإمام بمن معه ركعة ثم يجلس على هيئته ، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية والإمام جالس ، ثم ينصرفون حتى يأتوا أصحابهم فيقفون موقفهم ، ثم يقبل الآخرون فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية ، ثم يسلم ، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية . فهكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة .

قوله تعالى( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك )

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلي بصلاتك ففرغت من سجودها . ( فليكونوا من ورائكم ) ، يقول : فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدو في المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصل معك ، و لم تدخل معك في صلاتك .

قوله تعالى ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن ضعوا أسلحتكم )

أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس ( إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى ) قال عبد الرحمن بن عوف ، وكان جريحا . ( الصحيح 8/264 ح4599 - التفسير )

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : ( ولا جناح ) لا حرج .