جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (102)

{ وإذا كنت فيهم } أيها الرسول ، علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي الأئمة بعده به{[1103]} عليه الصلاة والسلام . { فأقمت لهم الصلاة فلتقُم طائفة منهم معك } أي : اجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم { وليأخذوا أسلحتهم } أي : الباقون وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم أو المصلون حزما { فإذا سجدوا } المصلون { فليكونوا } أي : غير المصلين { من ورائكم } يحرسونكم { ولتأت طائفة أخرى لم يُصلّوا } أي الذين كانوا من ورائهم يحرسونهم { فليصلّوا معك وليأخذوا{[1104]} } أي : الذين صلوا قبل أو الذين أتوا { حِذرهم وأسلحتهم } جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي فجمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ روى في طريق صلاة الخوف ستة أوجه أو سبعة ، وأنا أذكر بعضها .

أحدها : أن يجعلهم صفين{[1105]} ويصلى بهما إلى أن يرفعا رأسهما من الركوع سجد وسجد الصف الأول والصف الأخير قيام يحرسونهم فلما قام الصف الأول إلى الركعة الثانية سجد الصف الثاني ، ثم يقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع وركعوا جميعا ورفعوا من الركوع ثم سجد وسجد الصف الذي يليه والآخر قيام يحرس فلما جلسوا سجد الصف الثاني وتشهّد الكل وسلموا .

والثانية : أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة وينتظر قائما حتى يتموا صلاتهم منفردين ويذهبوا إلى المصاف ، وتأتي الأخرى فيتم به الركعة الثانية وينتظرهم قاعدا حتى يتموا صلاتهم ويسلم بهم{[1106]} .

والثالثة : قال جابر عن عبد الله الركعتان في السفر تمام إنما القصر واحدة عند القتال ، وهو أنه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام صف قبله وصف خلفه فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك حتى قاموا خلفه مقام هؤلاء ، فصلى بهم ركعة وسجدتين ، ثم سلم وسلموا فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ولهم ركعة ركعة{[1107]} وهذا الطريق مروي عن كثير من الصحابة بروايات متعددة صحيحة .

والرابعة : أن يصلي بكل من الطائفين ركعتين فيكون للإمام أربع ركعات وللمأمومين ركعتان{[1108]} { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً } بالقتال فلا تغفلوا عنها { ولا جُناح } لا وزر { عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ } هذا يدل على أن الأمر بأخذ السلاح للوجوب ، وهو قول بعض العلماء ، وأكثرهم على أنه سنة مؤكدة { وخُذوا حذركم } أي : لابد من التيقظ وعدم الغفلة في أي صفة وحال كنتم { إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا } وعد للمؤمنين بالنصر وإشارة على أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم ، بل لأن الواجب في الأمور التيقظ .


[1103]:فلا يدل على عدم جوازه إذا لم يكن هو صلى الله عليه وسلم فيهم وعند من يقول: قوله: (إذا ضربتم) الآية في صلاة السفر فقد تم وقوله (وإذا كنت فيهم) شروع في بيان صلاة الخوف/12.
[1104]:وظاهر القرآن أن الضمير للمصلين المقتدين فإنهم مظنة طرح السلاح للصلاة/12.
[1105]:رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهذه صلاته بعسفان، وهذه مذكورة أيضا في البخاري بعبارة أخصر من ذلك، وظاهر القرآن كثير الملائمة مع تلك الطريقة/12 منه. وفي الفتح: وقد وردت صلاة الخوف في السنة المطهرة على أنحاء مختلفة وصفات متعددة وكلها صحيحة مجزية من فعل واحدة منها فقد فعل ما أمر به، ومن ذهب من العلماء إلى اختيار صفة دون غيرها فقد أبعد عن الصواب/12. [وصححه الشيخ الألباني في (صحيح أبي داود) (1096) من حديث أبي عياش الزرقي –رضي الله عنه-].
[1106]:أخرجه البخاري في (المغازي)/باب: غزوة ذات الرقاع (4129) ومسلم في (صلاة الخوف) (2/493) ط الشعب. من حديث صالح بن خوات – رحمه الله – وهو تابعي ثقة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد. (محققه).
[1107]:أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (2/463) وذكره ابن كثير في (تفسيره) (1/550) والسيوطي في (الدر المنثور) (2/374) وقال ابن كثير: ورواه النسائي من حديث شعبة ولهذا الحديث طرق عن جابر رواه جماعة كثيرون في الصحيح والسنن والمسانيد.
[1108]:أخرجه البخاري في (الجهاد والسير)/ باب: من علق سيفه بالشجر في السفر عن القائلة (2910) وفي غير موضع من صحيحه ومسلم في (صلاة الخوف) (2/493) ط الشعب. من حديث جابر –رضي الله عنه-.