بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (102)

قوله تعالى :

{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة } يعني بالمؤمنين ، ومعناه : إذا كنت بحضرة العدو وحضرت الصلاة { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ } أي جماعة منهم { مَعَكَ } في الصلاة { وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } يعني الذين يصلون معك ، ويقال : { وليأخذوا أسلحتهم } الذين هم بإزاء العدو { فَإِذَا سَجَدُواْ } يعني : إذ صلوا الذين خلف الإمام ركعة واحدة { فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ } أي ينصرفون إلى موضع العدو ، ويقفون هناك { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ } كانوا بإزاء العدو { فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ } ركعة أخرى ، ولم يذكر في الآية لكل طائفة إلا ركعة واحدة ؛ ولكن ذكر في الخبر عن عبد الله بن عمر وغيره ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الأولى ركعة ، وبالطائفة الأخرى ركعة كما ذكر في الآية ؛ ثم جاءت الطائفة الأولى ، وذهبت هذه الطائفة إلى موضع العدو ، حتى قضت الطائفة الأولى الركعة الأخرى وسلموا ، ثم جاءت الطائفة الأخرى ، وقضوا الركعة الأولى وسلموا ، حتى صارت لكل طائفة ركعتان . وهذا اختيار أصحابنا في صلاة الخوف ثم قال تعالى : { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الذين كَفَرُواْ } يقول : تمنى الذين كفروا { لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ } يعني أمتعة الحرب { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحدة } يعني : يحملون عليكم حملة واحدة ، وإنما حذرهم لكي يكونوا بالحذر منهم .

ثم قال تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة أنمار ، فهزمهم وسبى ذريتهم ، فلما رجعوا أصابهم المطر ، فنزلوا وادياً تحت الأشجار ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه وذهب إلى الجانب الآخر من الوادي وحده ، فجاء السيل فحال بينه وبين أصحابه . وكان بعض المشركين على ذلك الجبل ، فرآه حين حال السيل بينه وبين أصحابه ، فجاءه واحد منهم يقال له حويرث بن الحارث ، وقال : أنا أقتله ، فأتاه وقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ فقال : « الله عزَّ وَجَلَّ » فسلَّ سيفه وأراد أن يضربه ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الكافر في صدره دفعة ، فسقط السيف من يده . فوثب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ سيفه وقال : « مَنْ يُخَلِّصُكَ مِنِّي ؟ » فقال : لا أحد . فقال له : « إِنْ أَسْلَمْتَ حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْكَ سَيْفَكَ » فقال : لا أسلم . ولكن أعاهد الله تعالى ألا أكون لك ولا عليك أبداً ، فرد عليه سيفه فقال الرجل : يا محمد أنت خير مني ، لأنك قدرت على قتلي فلم تقتلني ، فرجع الكافر إلى أصحابه ، فأخبرهم بالقصة فآمن بعضهم ثم انقطع السيل . وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأخبرهم بالقصة ، وقرأ عليهم هذه الآية { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى } أي أصابتكم الجراحات { أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } من العدو يعني كونوا بالحذر منهم . وقال الضحاك : { وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } أي تقلدوا سيوفكم ، فإنما ذلك هيبة الغزاة . ثم قال تعالى : { إِنَّ الله أَعَدَّ للكافرين } في الآخرة { عَذَاباً مُّهِيناً } يهانون فيه .