إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (74)

{ وَإِذْ قَالَ إبراهيم } منصوب على المفعولية بمضمرٍ خُوطب به النبي عليه الصلاة والسلام معطوفٌ على { قُلْ أَنَدْعُوا } [ الأنعام ، الآية 71 ] لا على أقيموا كما قيل لفساد المعنى أي واذكر لهم بعد ما أنكرتَ عليهم عبادةَ ما لا يقدِرُ على نفعٍ وضُرّ وحققتَ أن الهدى هو هدى الله وما يتبعُه من شؤونه تعالى وقتَ قولِ إبراهيمَ الذي يدّعون أنهم على مِلّته موبّخاً { لأبِيهِ آزَرَ } على عبادة الأصنام فإن ذلك مما يبكِّتُهم وينادي بفساد طريقتِهم ، وتوجيهُ الأمرِ بالذكر إلى الوقت دون ما وقعَ فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ لما مر مراراً من المبالغة في إيجاب ذكرِها ، وآزرُ بزنةِ آدم وعابَر وعازَر وفالَغ وكذلك تارَحُ ، ذكره محمدُ بنُ إسحاقَ والضحاكُ والكلبيُّ وكان من قريةٍ من سَواد الكوفة ، ومُنعَ صَرْفُه للعُجمة والعَلَمية ، وقيل : اسمُه بالسريانية تارَحُ وآزَرُ لقبُه المشهورُ وقيل : اسمُ صنمٍ لُقِّب هو به للزومه عبادتَه ، فهو عطفُ بيانٍ ( لأبيه ) أو بدلٌ منه وقال الضحاك : معناه الشيخ الهرم ، وقال الزجاج : المُخطئ وقال الفراءُ وسليمانُ التيمي : المعوَجُّ فهو نعتٌ له كما إذا جُعل مشتقاً من الأزْرِ أو الوِزر أو أريد به عابدُ آزرَ على حذف المضافِ وإقامةِ المضافِ إليه مُقامَه وقرئ آزرُ على النداء وهو دليلُ العَلَمية إذ لا يُحذف حرفُ النداء إلا من الأعلام ، { أَتَتَّخِذُ } متعدَ إلى مفعولين هما { أَصْنَاماً آلِهَة } أي أتجعلُها لنفسك آلهةً على توجيه الإنكار إلى اتخاذ الجنس من غير اعتبار الجمعية ، وإنما إيرادُ صيغةِ الجمع باعتبار الوقوعِ ، وقرئ أاَزْراً بفتح الهمزة وكسرها بعد همزة الاستفهام وزاءٍ ساكنةٍ وراءٍ منونةٍ منصوبةٍ وهو اسمُ صنم ، ومعناه أتعبدُ أزْراً ثم قيل : أتتخِذُ أصناماً آلهة ؟ تثبيتاً لذلك وتقريراً ، وهو داخل تحت الإنكار لكونه بيناً له ، وقيل : الأزرُ القوة ، والمعنى ألأجْلِ القوة والمظاهَرَةِ تتخذ أصناماً آلهة ؟ إنكاراً لتعزُّزِه بها على طريقة قوله تعالى : { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة } [ النساء ، الآية 139 ] { إِنّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ } الذين يتبعونك في عبادتها { في ضلال } عن الحق { مُبِينٌ } أي بيِّنٌ كونُه ضلالاً لا اشتباهَ فيه أصلاً ، والرؤيةُ إما علميةٌ فالظرفُ مفعولُها الثاني وإما بصَرية فهو حالٌ من المفعول والجملة تعليلٌ للإنكار والتوبيخ .