السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

{ وإذا أذقنا الناس } أي : كفار مكة { رحمة } أي : صحة وسعة { من بعد ضرّاء } أي : شدّة وبلاء { مستهم } سلط الله تعالى القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم ، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد ، وعاش الناس بعد ذلك فلم يتعظوا بذلك ، بل رجعوا إلى العناد والكفر كما قال تعالى : { إذا لهم مكر في آياتنا } بالاستهزاء والتكذيب ، وقيل : لا يقولون هذا من رزق الله ، إنما يقولون : سُقينا بنوء كذا . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ الله تعالى ليصبح القوم بالنعمة ويمسيهم بها فيصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون : مطرنا بنوء كذا » والنوء عند العرب : هي منازل القمر إذا طلع نجم سقط نظيره { قل الله } أي : قل لهم يا محمد الله { أسرع مكراً } منكم ، أي : أعجل عقوبة وأشدّ أخذاً وأقدر على الجزاء . ومعنى الوصف بالأسرعية : أنه قضى بعقابهم قبل تدبيرهم مكايدهم والمكر إخفاء الكيد وهو من الله تعالى ، أمّا الاستدراج أو الجزاء على المكر ، فإنهم لما قابلوا نعمة الله بالمكر قابل مكرهم بأشد منه ، وهو إمهالهم إلى يوم القيامة . { إن رسلنا } أي : الحفظة الكرام الكاتبين { يكتبون ما تمكرون } لأنهم وكلوا بكم قبل كونكم نطفاً ، ولم يوكلوا بكم إلا بعد علم موكلهم بكل ما تفعلونه ، ولا يكتبون مكركم إلا بعد اطلاعهم عليه ، وأمّا هو سبحانه وتعالى فإنه إذا قضى قضاء لا يمكن أن يطلع عليه رسله إلا بإطلاعه فكيف بغيرهم ، وإذا تبين أنه عالم بأمورهم وهم جاهلون بأموره علم أنه لا يدعهم يدبرون كيداً إلا وقد سبب له ما يجعله في نحورهم ، وقرأ أبو عمرو بسكون السين والباقون بالرفع .