السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

ولما شرح سبحانه تعالى أحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء ذكر مثلاً يبين الحال في حكم هذين القسمين بقوله تعالى : { ألم تر } ، أي : تنظر ، والخطاب يحتمل أن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ويدخل معه غيره ، وأن يكون لكل فرد من الناس ، أي : ألم تر أيها الإنسان { كيف ضرب الله } ، أي : المحيط بكل شيء علماً وقدرة { مثلاً } سيره بحيث يعم نفعه ، والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأوّل ، ثم بينه بقوله تعالى : { كلمة طيبة } قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هي لا إله إلا الله . { كشجرة طيبة } قال ابن مسعود وأنس : هي النخلة . وعن ابن عباس : هي شجرة في الجنة . وعن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : «إنّ الله تعالى ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبروني ما هي ؟ قال عبد الله : فوقع الناس في شجر البوادي وكنت صبياً فوقع في قلبي أنها النخلة ، فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقولها وأنا صغير القوم » . وروي : فمنعني مكان عمر فاستحييت فقال له عمر : يا بنيّ لو كنت قلتها لكانت أحب إليّ من حمر النعم ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا إنها النخلة » . قيل : الحكمة في تشبيه الإنسان بالنخلة من بين سائر الأشجار أنّ النخلة أشبه به من حيث إنها إذا قطع رأسها يبست وسائر الأشجار يتشعب من جوانبها بعد قطع رأسها ، وأنها تشبه الإنسان بحيث أنها لا تحمل إلا باللقاح ؛ لأنها خلقت من فضلة طينة آدم عليه السلام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «أكرموا عمتكم قيل : ومن عمتنا ؟ قال : النخلة » . { أصلها ثابت } ، أي : في الأرض { وفرعها } ، أي : غصنها { في السماء } ، أي : في جهة العلو والصعود ولم يرد المظلة كقولك في الجبل : طويل في السماء تريد ارتفاعه وشموخه .